الولايات المتحدة الأمريكية والصين والاتجاه نحو المواجهة

الولايات المتحدة الأمريكية والصين والاتجاه نحو المواجهة

تراوحت العلاقة ما بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية ما بين إعادة العلاقات و الدعم فى مواجهة عدو مشترك “الاتحاد السوفيتى السابق” فى فترة السبعينات من القرن الماضى فى عهد الرئيس الأمريكى نيكسون، إلى التعاون الاقتصادى والتقنى فى فترة الانفتاح ونهوض الصين اقتصاديا منذ عهد الرئيس الصينى دينج شياو بينج، وصولا إلى مرحلة التنافس الاقتصادى ثم بوادر المواجهة الاقتصادية والسياسية فى عهد الرئيس الصينى الاستبدادى الحالى شى جين بينج والذى يحكم منذ العالم 2012م. شهد عصر الرئيس شى بروز نزوع التوجهات الصينية نحو الهيمنة الاقتصادية ومحاولات التغلغل السياسى ليس فى محيطها الإقليمى فحسب بل على الصعيد العالمى معتمدة على تسارع معدلات نموها الاقتصادى حيث أصبحت فى المرتبة الثانية عالميا من حيث إجمالى الناتج المحلى العام والذى بلغ 17.7تريليون $ عام 2021م بما يعادل 18% من الاقتصاد العالمى، شجع ذلك الصين على السعى لتحديث قوتها العسكرية وتصاعد إنفاقها العسكرى من 9.9مليار $ عام 1990م إلى 293مليار $ عام 2021م ، وتجرى الصين منذ عام 2017م عملية تحديث واسعة النطاق لجيشها شملت حاملات طائرات والصواريخ فرط الصوتية والطائرات الشبحية وكذلك الصواريخ النووية العابرة للقارات، ولدى الصين طبقا لصور الأقمار الصناعية أكثر من 250 صومعة تحت الإنشاء لتلك الصواريخ وذلك فى مناطق بومين، قمول، جيلانتاى فى مقاطعات: كانسو ، تركستان الشرقية، منغوليا الداخلية، وهى أكثر من عشرة أضعاف الصوامع العاملة بها حاليا، فهل تنوى الصين زيادة أعداد صواريخها النووية تحسبا لحرب حتمية قادمة؟. أم أن العديد منها شراك خداعية.؟؛ على الصعيد السياسى تصوغ الصين العديد من التحالفات الدولية الداعمة لها، وتسعى لبناء شراكات واسعة لكنها تشمل فى الغالب الدول ذات النظم الاستبدادية كمنظمة شنغهاى للتعاون، كما تدعم علاقات الهيمنة على كافة الأصعدة مع حديقتها الخلفية دول آسيا الوسطى ومخرجات قمة شيان بينهما توضح جدية السعى الصينى لربط تلك الدول بها، وتمثل مبادرة الحزام والطريق أهم مشروعاتها الاستراتيجية لصياغة التحالفات وربط ما يزيد عن ثلث العالم بالقطب الصينى الحالم بالصعود إلى قمة العالم؛ على أى حال، لدى الصين سعى محموم نحو القوة على كافة الأصعدة وتحاول امتلاك عناصر القوة الشاملة التى تمكنها من لعب دور استراتيجى مؤثر يمكن أن يغير خريطة التحالفات والنظام الدولى للدفع به إلى مرحلة التعددية القطبية ثم الصعود على قمة النظام العالمى لتكون القوة العظمى الأولى اقتصاديا وعسكريا، وهو الهدف الذى أعلنه ماو تسى تونج عام 1949م حيث قال” نحن نخطط لنكون إحدى القوى العظمى فى العالم إن لم نكن القوة العظمى الأولى بعد مائة عام”، ويرجح الخبراء أن يتجاوز اقتصاد الصين اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية عام 2027م.

الولايات المتحدة الأمريكية والتى تعتلي قمة النظام العالمى ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية والتى نجحت عام 1991م فى الإطاحة بالاتحاد السوفيتى السابق عمدة النظم الاستبدادية عبر جره إلى صراعات وسباق تسلح منهك ودون إطلاق رصاصة واحدة، تحاول أمريكا الآن عبر حرب بالوكالة الإطاحة بروسيا وريثة غريمها المنهار والتى حاول رئيسها بوتين إعادتها لمصاف القوى العظمى والدفع بالعالم نحو التعددية القطبية، وحال الفراغ من الأزمة الروسية الأوكرانية ستتفرغ الولايات المتحدة الأمريكية لحسم المسألة الصينية.

تعانى الولايات المتحدة فى الوقت الراهن من تدهور عناصر القوة والهيمنة للاستمرار على قمة العالم فهى الآن أكبر مدين فى العالم وقد تتوقف عن سداد ديونها، كما تعانى من عجز واضح ميزانها التجارى بالأخص مع الصين، كما أن تكاليف الصراعات وحروب الهيمنة غير المبررة وأعباء البحث عن عدو مخترع لتبرير تدخلاتها ذات الأهداف الخبيثة قد أنهكت أمريكا ومزقت مصداقية القيم الأمريكية داخليا وخارجيا ودفعت بالنظم الحاكمة وبالمثقفين داخلها وخارجها لفقدان الثقة بها ولمحاولة إعادة إنتاج نظام عالمى جديد يتمتع بالعدالة والمصداقية، كما تتعالى الدعوات فى أمريكا للانكفاء على الداخل وتقليص دورها الخارجى بأعبائه التى يتحملها الشعب الأمريكى؛ فمن مواجهة الشيوعية إلى الحرب على الإسلام و”الإرهاب الإسلامي” المخترع كعدو بديل يدفع بالغرب للتوحد وبقاء أمريكا كقيادة مدافعة عن القيم الغربية، والتحول على استحياء الآن من الحرب على الإرهاب إلى الحرب – الانتقائية –  على الاستبداد، عانى العالم من مآس إنسانية مؤلمة جراء السياسات الأمريكية التى تستهدف السيطرة على النظام العالمى.

تدرك الولايات المتحدة الأمريكية أن الصين حاليا هى القوة الوحيدة القادرة على تحدى أمريكا وقد صرح وزير الخارجية الأمريكى بذلك قائلا ” إن الصين هى البلد الوحيد الذى يسعى لإعادة تشكيل النظام الدولى ولديه القدرة الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية والدبلوماسية على تحقيق ذلك”، ومن ثم تسعى أمريكا لحصار الصين وتعطيل مسيرة الصعود الصينى، كما تتجه العلاقات بينهما نحو المواجهة، وهذا ما يحدث غالبا حال اتجاه إحدى القوى العظمى نحو الضعف أو السقوط فهى تدافع بشراسة عن مكانة لم تستطع الحفاظ عليها عبر تحطيم الصاعد نحو القمة لإزاحتها. من خلال التحالفات الجديدة ودعم القوى الموالية لها فى منطقة المحيطين الهندى والهادى واستغلال المحيط المستاء من الغطرسة الصينية فى المنطقة، تسعى الولايات المتحدة لمحاصرة الصين وتجهز الساحة لصراع شرس ومواجهة مدمرة مع الصين. فمتى تندلع المواجهة وفى أي مكان ستنطلق الرصاصة الأولى لحرب عالمية ثالثة تعيد ترتيب وتشكيل المشهد الدولى إن لم تقض عليه.

د\ عز الدين الوردانى

كاتب متخصص في شؤون آسيا الوسطى