قضية تركستان الشرقية.. محاولة للفهم

قضية تركستان الشرقية.. محاولة للفهم

اسلام أونلاين، فى 14 – مارس – 2012

  إن الزائر لشرق آسيا عموماً، سيكتشف أن الربط السائد للإسلام بمنطقة العالم العربي، ما هو إلا تجاهلٌ للجزء الأوسع من العالم الإسلامي، وسيدرك أن العالم الإسلامي أوسع مما بين الأطلنطي والهندي، فهناك أكبر الدول الإسلامية إندونيسيا، وهناك دول فيها المسلمون أغلبية كماليزيا، ودول فيها المسلمون أقلية كتايلاند، ودول فيها الأقلية المسلمة أكثر عدداً من سكان بعض الدول الإسلامية، كمسلمي الصين، إضافةً لكل ذلك، فإن فيها إقليم تركستان الشرقية الذي كان دولة إسلامية منفصلة عن الصين تحمل اسم تركستان الشرقية قبل أن تضمها الصين عنوة في عام 1949، ويتمتع حاليا بحكم ذاتي وتقطنه غالبية مسلمة، وهو سيكون محور حديثنا في هذا التقرير.

  وفقاً للسجلات الرسمية الصينية، فإن مساحة تركستان الشرقية تصل إلى ما يقارب 1.65 مليون كم2، ويبلغ عدد سكانها 21.81 مليون نسمة وفق آخر إحصائية صينية لعدد السكان 2010، المسلمين هناك يتجاوز عددهم 13 مليون نسمة، وأغلبيتهم من الإيغور الذين يشكّلون 9 ملايين نسمة، لكن الإيغور يشككّون في هذه الإحصاءات، ويؤكدون أن أعدادهم تفوق ذلك بكثير. في المقابل فإن الأقلية الصينية التي استوطنت بشكل غير شرعي في هذه البلاد تتجاوز 8 ملايين نسمة. ودائما ما يشكو مسلمو الإقليم من اضطهاد الحكومة الصينية لهم، وتنشط حركات بالإقليم تطالب بالاستقلال عن الصين، الذين يعتبرونها دولة محتلة، لذا يشهد الاقليم اضطرابات بين الحين والآخر.

حتى لا ننسى

  ويعد عدم حضور تركستان الشرقية في النقاشات الإسلامية بشكل يناسب أزمتها لهو دليلٌ آخر على أن العقل الجمعي للشعوب كافّة، بات أسيراً لما يقدّمه الإعلام، حتى أن الكثيرون قد لا يعرفون شيئا عن تركستان الشرقية.

  تركستان الشرقية هو الاسم التاريخي لما بات يعرف اليوم بـ “سنيكيانج”، وتركستان تعني أرض الترك بما تحمله من مؤشرات تاريخية تدلّل على إسلاميّة البلاد، أمّا “سنيكيانج”، فهو مسمّى صيني يعني المقاطعة الجديدة، بما يحمله هذا الاسم من مؤشرات على اصطناع العلاقة التي أنتجها الصينيون لإيغورستان، وهو اسمٌ آخر عرفت به تركستان الشرقية، نسبة إلى شعب الإيغور المسلم والذي يشكل أغلبية السكان في هذه المنطقة حتى يومنا هذا، رغم كل ما تعرضوا له من اضطهاد، دفع الكثير منهم للهجرة.

  الكتابات الإسلامية المعدودة التي تناولت قضية تركستان الشرقية، قدّمت للقارئ تعريفاً بتاريخ البلاد ودخول الإسلام إليها، وبداية المعاناة، وثورات الإيغور ضد الظلم، وصور القهر والاستبداد الصيني لمواطني تركستان الشرقية، أي أن هذه الكتابات في المعظم نقلت المشهد، لكنّها لم توضّح للقارئ ما وراءه، وهي رغم أهميتها إلا أن تحليل الدوافع الصينية لضم تركستان الشرقية عنوة ينقصها. بعض هذه الكتابات طرح سبباً واحداً لما تقوم به الصين بحق شعب الإيغور، وعنونت هذا السبب بإسلاميّة هذا الشعب.

  في هذه القراءة لأزمة تركستان نقدم قراءة مغايرة للأسباب، فالحديث عن احتلال تركستان من قبل الصين على أساس أن دافعه هو مهاجمة المسلمين، هو استنتاج غير متّزن ولا يقوم على أسس موضوعية. وللتدليل على ذلك نقول: إن في الصين أقليّة مسلمة من أصول صينية، هي أقلية “الهوي” ويطلق عليهم في الأدبيات الصينية “مسلمو الصين”. هذه الأقلية تعيش بانسجام تام مع الديانات الأخرى، ولا تتعرض لما يتعرض له مسلمي الإيغور، ولو أن مشكلة الصين مع المسلمين، فالأولى لها أن تحارب مسلميها لا أن تحتل دولة أخرى وتضمّها لها، وتضع لها نظاماً إدارياً خاصاً من أجل محاربة أهلها!

  بالإضافة لذلك، ولو اتفقنا تجاوزاً مع المعتقدين بأن الدين الإسلامي هو سبب الموقف الصيني من مسلمي الإيغور، فإن ذلك لا يتطلب منها كل هذا القمع والاضهاد، بل لا يتطلب منها أن تقوم بأي شيء، ويكفيها أن تترك الأمر للديموغرافيا، فملايين المسلمين في تركستان الشرقية وفي المناطق الصينية لا يمكن لهم أن يشكلوا خطراً على الهوية الصينية بمفهومها الثقافي أو الديني، ولا يمكن أن يكون تصنيف العلاقة بين مسلمي الإيغور والصين على أنها صراع بين حضارتين، كما يرى البعض.

  إن هذا التفنيد للطرح التقليدي لقضية تركستان الشرقية، وما ستليه من قراءة مغايرة، ما هي إلا محاولة لفهم الأسباب الحقيقة لما تقوم به الصين، والذي قد يشكّل نقطة بداية لمعرفة ملامح الحل لهذه الأزمة.

الدوافع الصينية

  بما أن الحديث عن صراع حضارات أو أديان بين الصين وتركستان الشرقية، أمرٌ مطعون في مصداقيته، فقد وجب البحث عن أسباب أكثر دقة توضح حقيقة الاحتلال الصيني لهذا البلد، وإجابات أكثر منطقية عن ماهية الدوافع الصينية.

أوّلاً: تركستان كممر للتجارة الصينية

  تعتبر تركستان ممرّاً للتجارة الصينية، فإذا ما تحدثنا بلغة التاريخ، وبما أن الاعتداءات الصينية على تركستان الشرقية أقدم من مرحلة ما بعد الثورة الصينية في بدايات القرن الماضي، فإن أهم الدوافع التي كانت وراء سعي الصين للسيطرة على هذه المنطقة هو الدافع التجاري. تركستان الشرقية كانت قديماً معبراً هامّاً للتجارة على المستوى العالمي، فطريق الحرير ذو الأهمية الإستراتيجية تاريخياً كان يمر بها، ولذلك فقد كانت الجسر الذي تعبر منه الصين إلى القارات القديمة.

ثانياً: الجغرافيا العسكرية

   من بديهيات الجغرافيا العسكرية، أن المناطق الحدودية الواسعة والبعيدة عن التجمعات السكنية تعتبر منطقة استراتيجية وقائية، حيث يتم التعامل مع هذه المناطق كعازل جغرافي عن التكتلات الحيوية للدولة، فيما يتم تركيز النشاط العسكري في تلك المنطقة العازلة. يبدو أن الصين لم تتجاهل هذه النقطة، وسعت لخلق منطقة وقائية من أي خطر خارجي، وهذه المنطقة كانت تركستان الشرقية، فالسيطرة عليها واعتبارها جزءا من الصين، يعني خلق مجال عسكري محاذ لكل من: أفغانستان وباكستان وكازخستان ومنغوليا وقيرغيزستان وطاجكستان وروسيا، فالصين تدرك تماماً أن مثل هذه الخطوة، بالإضافة إلى بعدها الجغرافي والعسكري، هي رسالة سياسية إلى كل الدول المحيطة، تدلل على تفوق الصين.

  وبالرغم من أن الأخطار الخارجية على الصين من الدول المحيطة لم تعد ممكنة، وخصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، إلّا أنّ أهمية تركستان الشرقية من الناحية العسكرية أصبحت أكبر، ففيها تتواجد واحدة من أهم الفرق العسكرية الصينية التي تعتبر مصدراً يرفد الصين بالأسلحة والقادة، كما أن تركستان الشرقية أضحت قاعدة صينية لمعظم الصواريخ النووية الباليستية، كما أن صحراء “تاكلا مكان” الواقعة في تركستان الشرقية، أصبحت مكاناً مفضّلاً لإجراء التجارب النووية الصينية، فهي بعيدة عن التجمعات السكانية الصينية، وتكلفة إجراء التجارب فيها أقل بكثير من التجارب تحت البحار.

ثالثاً: سايكس بيكو الشرق

  حين قامت القوى الغربية بتقاسم منطقة الشرق الأوسط، وتعاونت في السيطرة على دوله، بناءً على اتفاق عُرف بـ “سايكس بيكو”، تبعتها قوى شرق القارة الآسيوية بتنفيذ اتفاق مشابه بين روسيا والصين، كانت ضحيته تركستان الشرقية. فعلى الرغم من عدم امتلاك شعب الإيغور القوة الكافية لمقاومة الصين، إلا أن هذا لم يدفعهم لليأس وحاولوا مراراً القيام بثورات وانتفاضات قادتهم للحرية وتشكيل جمهورية تركستان الشرقية الإسلامية برئاسة الحاج “خوجانياز” عام 1933. لكن حلم الإيغور الذي تحقق؛ انتهى بعد عام واحد حين قررت الصين رغم مشاكلها مع اليابان أن تخوض حرباً جديدة ضد تركستان الشرقية، فاتفقت مع روسيا لمحاربة شعب الإيغور سويّة، على أن تخضع تركستان الشرقية لسيطرة الصين.

  وهذا ما قد حدث، فقد أعيد احتلال تركستان الشرقية مرة أخرى بدعم روسي، وتم إعدام الرئيس “خواجانياز” ورئيس وزرائه “داملا”، كما تم إعادة تسميتها مرة أخرى بالمقاطعة الجديدة “سنيكيانج”. وقد يتساءل البعض، إن من مصلحة روسيا أن تكون الصين ضعيفة، فلماذا تعاونها في استعادة شيء من هذه القوة؟ الإجابة على ذلك باختصار، أن تركستان الشرقية ما هي إلا جزء من بلد واحد شِقّه الغربي خاضع للسيطرة الروسية، ومن المنطق أن تخشى روسيا من أن تمتد ثورة المسلمين من شرق تركستان إلى غربها، فتخسر تواجدها هناك.

رابعاً: مصالح الصين الاقتصادية

  إن أهم المناهج التي تبعتها الصين في النهوض كقوة دولية هو التنمية الاقتصادية، وقد نجحت في ذلك إلى الحد الذي أغرقت فيه منتجات الصين الأسواق العالمية، وأنهت الصناعات المحلية في كثير من البلدان. الطموح الاقتصادي الصيني يحتاج إلى مواد خام ومصادر طاقة كأساس لتنفيذ هذا الطموح، وقد وجدت ضالتها في تركستان الشرقية، فالأخيرة فيها 6 مناجم لليورانيوم عالي الجودة، وهو ما يجعلها دولة نووية محتملة في حال انفصلت عن الصين، بالإضافة إلى معادن أخرى كالذهب والزنك واليورانيوم، ما يشكّل مطمعاً للصين، كما أن المنطقة فيها احتياطي نفطي ضخم يبلغ 8.2 بليون طن، واحتياطي غاز يبلغ 10.8 ترليون متر مكعب، واحتياطي فحم يبلغ 2.19 ترليون طن.

العوامل المساعدة

  إن كل العوامل السابقة قد تكون كافية كي تقدم الصين على ضم تركستان الشرقية لها عنوة، لكن أن تستمر في ذلك، أو أن تستمر في اضطهاد مواطني هذه البلاد حتى يومنا هذا، فإن ذلك لا يمكن أن يحدث إلا بعوامل مساعدة، تجّنّب بكين أي مساءلة من أي طرف، ومن أهم هذه العوامل:

أولا: التجاهل السياسي والإعلامي، فبالرغم من طرح قضية تركستان الشرقية في الإعلام المقروء خصوصاً، إلّا أن هذا الطرح لا يعتبر كافياً بالقياس مع قدرة المؤسسات الإعلامية الإسلامية والعربية التي ظهرت قوتها وقدرتها على التأثير بشكل واضح في أحداث مختلفة في العالم، كأفغانستان والعراق وفلسطين، وهذا ما يشجّع الصين على الاستمرار في سياساتها. كما أن القيادات السياسية في العالم الإسلامي بل والحركات الإسلامية لا تتناول هذا الموضوع بشيء من الجديّة، وهو أمرٌ تابع للتقصير الإعلامي وخصوصاً المرئي.

ثانياً: إسلاميّة الضحية جعلت الصين تستقوي على شعب الإيغور بالإرادة الدولية لمحاربة الإرهاب، هذا العامل ظهر بعد أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، حينها أصبح كل طرف دولي معنيا بمواجهة مع جهة إسلامية، يؤطر عملياته ويبررها بمحاربة الإرهاب، وقد يطلب المعونة الدولية لذلك، والصين كانت من بين هذه الدول التي استفادت من تلك الأحداث كي تبرر أي عنف تستخدمه على أنّه مكافحة “للإرهاب” و”التطرف” الإسلامي.

المساهمة في الحل

  إن مساهمة العالم الإسلامي شعوباً وحكومات في إيجاد مخرج لأزمة تركستان الشرقية أمرٌ ممكن. قد يكون المخرج الآني وقف العنف والاعتقالات والاضطهاد، ولا يصل إلى إجبار الصين على الانسحاب، لكن ذلك ضروري وواجب إنساني. إن النقاط الواردة أعلاه من دوافع ومحفّزات وعوامل مساعدة رغم قوّتها إلّا أن العالم الإسلامي يمتلك قدرة مؤثرة للتخفيف من الأزمة الإنسانية، وحتى تكون الكتابة في هذا الموضوع إيجابية من جهة طرحها لإمكانية الحل، فإن في الآتي من السطور ما يمكن اعتباره مقترحات للتدخّل الإنساني:

أولاً: العمل على تفعيل القضية في كافة وسائل الإعلام وخصوصاً المرئي منه وتوسيع التغطية لتشكيل رأي عام يمكن أن يشجع الحكومات على اتخاذ خطوات إيجابية في مجال الدفاع عن حقوق شعب الإيغور. بالإضافة إلى ذلك فإن هذه التغطية الإعلامية قد تثير تخوّفات الصين من أن يتم تشكيل فعاليات شعبية لمقاطعة منتجاتها في العالم العربي والإسلامي، وهو ما قد يشكل نكسة اقتصادية لها.

ثانياً: إن في العالم الإسلامي اليوم دولاً تبدي حرصها على أن تكون فاعلة ومؤثرة على المستوى الدولي، ومن هذه الدول قطر وتركيا، وقد نجحت هذه الدول في كثير من الملفات وقضايا الوساطة بين الدول والأطراف السياسية. هذه الدول بإمكانها أن تكون فاعلة بشكل كبير في الملف التركستاني الشرقي، وخصوصاً تركيا التي لها اهتمام خاص بالإيغور، والمسألة قد لا تتطلب من هذه الدول سوى التفاوض مع الصين والحديث معها بلغة المصالح.

ثالثاً: يمكن للعالم الإسلامي تقديم خدمة للإيغور بطريقة غير مباشرة، عبر العمل على إنشاء جمعيات ومؤسسات مجتمع مدني دولية في تركستان الشرقية، بحيث تكون مرجعيتها دول إسلامية، فمثل هذه المؤسسات قد تزيد من التواجد الإسلامي هناك، بما يجبر الصين على التريّث أكثر في اتباع سياسات عنيفة ضد مسلمي الإيغور.

http://islamonline.net/ar/1050