دولكان عيسي المتحدث باسم مسلمي «الإيغور» في حوار «خاص»: الصيام «تهمة» في تركستان الشرقية

دولكان عيسي المتحدث باسم مسلمي «الإيغور» في حوار «خاص»:    الصيام «تهمة» في تركستان الشرقية

 Akhbar El Yom, 01.07.2016

إذا نظرت عزيزي القارئ في منزلك ستجد لديك حتما سبحة وفانوس رمضان وسجادة صلاة جميعها مكتوب عليها عبارة «صنع في الصين» ،  ولكنك ستصاب بدهشة مصحوبة بالغضب إذا عرفت أن الصين التي تصدر لنا كل ما نحتاجه لممارسة شعائرنا الدينية  تمنع المسلمين هناك من الصلاة والصوم . . وستندهش أكثر وأكثر إذا عرفت أن هناك دولة ثانية محتلة في العالم أقدم من  فلسطين المحتلة ،وأن الواقع الذي يعيشه سكان تركستان الشرقية الدولة الإسلامية منذ القرن الأول الهجري  يزداد قتامة منذ أن وقعت في أيدي الاحتلال الصيني  عام 1881 ليتعرض سكانها  المسلمون الإيغور إلي حرب إبادة شاملة ، فالأرقام تتحدث عن مقتل 60 مليون مسلم منذ بدء الاحتلال الصيني والواقع اليوم يشير إلي  أجيال هاربة تعيش في الشتات وأقلية مضطهدة تعيش تحت سلطة الاحتلال الصيني الذي يصنفهم باعتبارهم إرهابيين ويعاقبهم بالإعدامات الجماعية.
كان يستوقفني خبر مسلمون ممنوعون من الصوم مع بداية شهر رمضان ،وقررت أن أبحث عن الحقيقة فتحدثت مع دولكان عيسي المتحدث الرسمي للمؤتمر الإيغوري العالمي المقيم في ألمانيا والذي تعتبره الصين إرهابيا مطلوبا لأنه مواطن مسلم من تركستان الشرقية طالب بالحصول علي أبسط حقوق شعبه الضائعة.

> ومن شهر رمضان المختلف لدي الإيغور بدأت الحديث مع السيد دولكان..ما حقيقة أن حكومة الصين تمنع مسلمي الإيغور من صوم  رمضان؟
ــ ليست هذه هي المرة الأولي التي تمنع فيها الصين المسلمين من صيام رمضان ومنذ سنوات طويلة والصين تفرض عددا من القيود علي المسلمين . ولم تكن القضية تحظي بالاهتمام لدي الإعلام العالمي قبل ذلك ولكن منذ  3 اعوام تقريبا بدأ الاهتمام بالقضية من قبل بعض وسائل الإعلام العالمية فبدأ العالم يتحدث عن قضيتنا شيئا فشيئا . ومن وقت لآخر تخرج الصين وتصدر بيانات تدعي فيها  انه لا يوجد تضييق علي المسلمين. ولكن الواقع شيء آخر  فخلال شهر  رمضان تجبر السلطات الصينية أصحاب  المطاعم في مناطق المسلمين أن تفتح  ابوابها وتقدم الطعام في نهار رمضان و كل المطاعم مجبرة أن تبيع الكحول والسجائر ومن لا  يفعل ذلك يحطمون له مطعمه أو يجبرونه علي إغلاقه نهائيا.
كما تمنع المدرسين والطلبة والموظفين من الصيام فيضطر كثير من المسلمين إلي الصيام في الخفاء ولكن كي يتأكدوا من أنه لا يوجد هناك صائم في العلن، كل من يرفض الأكل والشرب في وقت الغذاء  يتهم «بالصوم» ويتم معاقبته بالطرد من الوظيفة أو المدرسة إذا كان طالبا.
ونشرت الصين بيانا قبل رمضان بيوم واحد قالت فيه  بأنها تحترم حرية الأديان ولكن الواقع أنه بيان للاستهلاك الإعلامي والحقيقة أنها منعت المسلمين من الصيام وتمنع النساء وكبار السن من الصلاة في المساجد فتركستان ممنوعة من الصيام والصلاة  . وليس هذا فقط فهي تتعمد أيضا إهانة المقدسات الاسلامية وطمس الهوية الدينية والثقافية  للإيغور حتي أنها  تجمع كل الأئمة أمام المساجد وتجبرهم علي الرقص. هي تريد إهانة المسلمين وتنتهك بذلك القانون الدولي ودستورها الذي يكفل حرية الأديان والعقيدة.

ذات الوجهين
>  الصين تتمتع بعلاقات طيبة وقوية مع معظم الدول العربية والإسلامية وما أسمعه منك الآن يشير إلي أن هناك صيناً أخري لا نعرفها؟
ــ هذا صحيح فالصين دولة  لها وجهان وجه محب ومسالم تتعامل به مع الدول الاسلامية وهناك وجه آخر علي النقيض تماما تتعامل به مع  المسلمين في الصين. فهي تنظر لهم باعتبارهم إرهابيين  وانهم يمثلون خطرا علي أمنها القومي وهو حكم ظالم وجائر  ولكنها استغلت بذكاء الحملة العالمية التي تضع الاسلام والارهاب في نفس الكفة كي تحقق أهدافها الخاصة.
فدائما تقول لدينا أقلية إسلامية ونحترمها ..وهو مجرد شعار لبناء جسر للعلاقات مع الدول الإسلامية والعربية ولكن كل وجه يظهر كلما اقتضت المصلحة.
>  أشرت في حديثك إلي النظرة العالمية التي وضعت الإسلام والإرهاب في كفة واحدة وأن الصين أجادت استخدام هذا المفهوم لتحقيق أهدافها مع المسلمين الإيغور فماذا تقصد؟
ــ قبل 11 سبتمبر كان في تركستان عدد من الحوادث الفردية ويتم التعامل معها بنفس المسمي ولكن بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر وفي لمح البصر، غيرت الصين من لغتها تماما واستخدمت ايضا لغة الارهاب وقلبت الحقائق في كل ما كان يحدث في تركستان واعتبرته إرهابا واصدرت احكاما كثيرة بالإعدام علي مسلمي الإيغور باعتبارهم إرهابيين. واعتبرت المعارضة في تركستان المعنية بالحفاظ علي حقوق المسلمين وهويتهم الثقافية والتاريخية إرهابا .وأصدرت أحكاما علي الكثير من الناشطين الإيغور بالسجن. فلو كتبتي مقالا للاعتراض علي الانتهاكات التي تحدث للإيغور أنت إرهابية. حتي طلبة المدارس والجامعات صدرت ضدهم أحكام بنفس التهمة.أية معارضة أو مطالبة بالحقوق هي في نظرهم إرهاب يستحق صاحبه الإعدام ولذلك أصدرت الصين قانونا خاصا للإرهاب كما فعلت دول كثيرة.

لغة المصالح
> أنا أتحدث الآن مع إرهابي ومطلوب من الإنتربول وفقا للمفاهيم الصينية التي تحدثت عنها …فكيف رغم هذه الأحكام تواصل طريقك وتدافع عن قضيتك وقضية شعبك أمام المنظمات الدولية والدول الأوربية التي تمتلك هي الأخري علاقات قوية مع الصين؟
ــ الصين تريد أن تجد سببا وعذرا كي تحكم علي الناشطين بالإعدام وما أسهل ذلك لو كنت مسلما فهي تستغل الموقف جيدا كي لا نحصل علي تأييد او دعم من أحد دوليا.ولكن أحيانا نحظي بتعاطف البعض ..لأن الصين تمتلك علاقات قوية مع دول العالم وهي تنجح في تحجيم أي تحرك عالمي للإيغور للحصول علي حقوقهم ومن أقوي الأمثلة علي أن  لغة المصالح  هي التي تنتصر دائما حتي لو كان الموضوع له علاقة بالدين ، العلاقة القوية التي تربط الصين بباكستان إحدي أكبر الدول الإسلامية في آسيا ولكن بسبب المال باكستان من أكبر الداعمين للصين. لكي ان تتخيلي سيدتي أنه في العام الماضي  عندما أصدرت الأمم المتحدة بيانا تدين فيه الاضطهاد الديني في الصين لم تؤيد البيان أية دولة إسلامية أو عربية بل تجاهلوه والبعض الآخر أعلن عن تأييده للصين!!
> ماذا عن دول العالم الأخري التي تتشدق بحماية حقوق الإنسان وحرية الأديان؟
ــ ألمانيا علي سبيل المثال وأمريكا يحذران الصين دائما ويطالبانها باحترام حرية الأديان ووقف اضطهادها للأقليات سواء في قضية التبت أو المسلمين الإيغور . ولكن كل هذا غير مؤثر فكل الدول تبحث عن الفائدة والمكاسب المادية ولا تهتم كثيرا بهذه القضايا التي غالبا ما تثار للإستهلاك الإعلامي. فكما قلت المال والمصلحة هي الصوت الأعلي دائما في مثل هذه الحالات. نعم نحن نتحرك ونتظاهر ونقدم شكاوي فيتضامن معنا بعض النشطاء والمؤسسات الحقوقية ولكن مازال التأثير محدودا طالما امتلكت الصين المال والنفوذ .وهذه هي الأيدولوجية  التي تفكر بها الصين.

مسلم ولاجئ
>  أنت مواطن ألماني منذ عام 2006 وألمانيا والدول الأوربية لديها أحزاب يمين متطرف تؤيد هي الأخري فكرة العداء للمسلمين والمهاجرين بصفة عامة كنوع من الحفاظ علي هوية أوربا ..فلماذا اخترت ألمانيا إذا كانت النظرة للمسلمين سلبية  نوعا ما؟
ــ أزمة اللاجئين تحظي باهتمام أوربي كبير و لها أهمية خاصة في ألمانيا التي تحتضن أكثر من مليون لاجئ ، والشعب الألماني لديه وعي جيد ومعرفة جيدة بقضايا الشرق الأوسط والديكتاتوريات الحاكمة، ويتعاطفون مع اللاجئين .ولكن مع الوقت أصبحت هناك جماعات متطرفة تعتدي علي اللاجئين خاصة بعد حوادث الاعتداءات التي وقعت في الكريسماس العام الماضي وتغير موقف الألمان من اللاجئين وقل التعاطف معهم تدريجيا. ولكن عليهم أن يدركوا أنه خلال الحرب العالمية الثانية ذهب كثير من اللاجئين الأوربيين لدول الشرق الاوسط  وعاشوا حياة كريمة والآن  ونحن نشهد حركة هجرة عكسية الواقع مختلفة وعلي النقيض تماما بسبب بعض وسائل الإعلام التي تتحكم فيها جماعات يمين متطرفة تساهم في زيادة العداء للمسلمين واللاجئين.  وهنا لديهم حجة قوية جدا فيما يخص اللاجئين  فهم يستشهدون بإغلاق كثير من الدول العربية لأبوابها في وجه اللاجئين السوريين ومعظمها دول ثرية ، وهو شيء مشين فيجب أن تظهر هذه الدول شيئا من الإسلام  في التعامل مع اللاجئين.

أوراق ضغط
>  ما تقييمك لأداء المنظمات الاسلامية والدولية في قضية مسلمي الإيغور؟وما الجهود المبذولة لاسترجاع حقوقهم من الصين؟
ــ بالنسبة للمنظمات  الدولية لديها معرفة جيدة بالقضية في الوقت الحالي فمنذ 20 عاما كنا نواجه صعوبة توصيل ما كان يحدث في تركستان الشرقية للعالم،  ولكن مع التطور الذي حدث في الإعلام وظهور مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا أصبحنا قضية معروفة للمنظمات الدولية وبعض وسائل الإعلام العالمية . ونشارك في فاعليات تنظمها الأمم المتحدة و مؤتمرات تخص حرية الإعتقاد الديني و قضية اللاجئين .فنحن أنفسنا عشنا  لاجئين في جزء من تاريخنا  ذهبنا لتايلاند وماليزيا و تركيا وفي الخمسينيات كنا نعيش في مخيمات للاجئين وحتي يومنا هذا يترك كثير من الإيغور تركستان الشرقية ويسافرون لتايلاند وتركيا وغيرهما من الدول طلبا للجوء. والعام الماضي رحلت تايلاند 109 لاجئين ايغوريين إلي الصين وحتي اليوم لا نعرف عن مصيرهم شيئا
ولكن للأسف المنظمات الإسلامية تأثيرها محدود وجهودنا مقيدة بالسياسة ولديها قوة محدودة للتأثير علي قرارات الدول العظمي  ومنها الصين. لذا فأنا أدعو الدول الإسلامية أن تكون لها أوراق ضغط علي الصين كي تضمن للمسلمين الإيغور أبسط حقوقهم الدينية  وهي الصيام والصلاة والذهاب للمسجد . فما الضرر في ذلك علي الأمن القومي الصيني؟ فالعبادة قضية خاصة.
مشكلة سياسية
> كثير من التحليلات الأجنبية  تتناول مشكلة الصين مع مسلمي الإيغور علي أنها مشكلة سياسية أكثر منها دينية ..لماذا في رأيك؟
ـ الصين تتعامل مع القضية علي أنها مسألة هوية وأمن قومي فهي تريد القضاء علي ثقافة وتاريخ الإيغور وأي أقلية أخري. و في رأيي هي حرب علي الهوية وليس الدين فقط فاللغة والدين أهم مقومات الثقافة ومنذ ان كنت طالبا في الجامعة منعت الصين  اللغة الإيغورية في المدارس  وعام 2004 منعت اللغة الايغورية في الجامعات. لذا تختفي اللغة تدريجيا حتي في التعاملات اليومية.  والصين تلعب علي عنصر الوقت و تدرك أنها إذا حاربت اللغة والدين فلن تبقي هناك عقبة لفرض ما تريد علي الأقليات .. ففي عام 1949  كان الشيوعيون يمثلون 25 % من سكان تركستان ولكن منذ 6 سنوات أصبح الإيغور يمثلون 45% من السكان. وكان عدد السكان قبل الاحتلال الصيني ١٥ مليون نسمة، أما اليوم فعددهم قد تناقص إلي ٨ ملايين نسمة. أي أننا أصبحنا أقلية في بلدنا.