بكين تستعد للأسوأ في شينغيانغ

Al Hayat, 05.03.2014

اعتقال إلهام توهتي، الشخصية الإيغورية المستقلة الوحيدة التي تُعبّر عن آرائها من داخل الصين، وعودة العنف إلى اقليم شينغيانغ يطرحان اسئلة مقلقة عن الوضع في المنطقة المتمتعة بالحكم الذاتي.

ويحوز هذا الإقليم المتاخم لآسيا الوسطى والذي لا حظّ له من الحكم الذاتي غير اسمه، تراثاً من المقاومة ضد الإدارة الصينية الشيوعية: الملايين العشرة من السكان الناطقين بإحدى اللغات التركية والمنتمين إلى التراث الإسلامي، يعيشون حياة سيئة يرون فيها حملة استعمارية واسعة إضافة الى تقييد عدائي لممارساتهم الدينية. يمثل الصينيون المنتمون الى «الهان» (الأكثرية العرقية في الصين) 40 في المئة من السكان ويسيطرون على الاقتصاد فيما تدير الدولة البوليسية نخبة محلية شرسة تعمّم الرعب.

وأثار اعلان وسائل الإعلام الرسمية الصينية مطلع كانون الثاني (يناير) عن «تغيير كبير على مستوى القمة» في شينغيانغ، الخشية من سياسة الاستعداد لأسوأ الاحتمالات في الصين التي يحكمها شي جينبينغ الإمبراطور الأحمر الجديد القليل التحمل للانتقادات. ويعني ذلك مزيداً من الاضطهاد وإنكار حقوق الإيغور. وفي المرحلة الحالية، لا يعرف اقليم شينغيانغ حرب عصابات او إرهاباً منظماً، خلافاً على سبيل المثال، للقوقاز الروسي او حتى لجنوب تايلاند.

وأسفرت الصراعات بين السكان الأصليين وممثلي السلطات، وهم غالباً من الإيغور، عما يتراوح بين 130 و210 قتلى في 2013، إذا اردنا الالتزام بالإحصاءات الرسمية- وأكثر من عشرين ضحية منذ بداية العام الحالي. ويسقط هؤلاء تحت ضربات الشرطة عندما ينظّمون تظاهرة أو على ايدي القوات الخاصة التي تردّ على أي هجوم تتعرض له مراكز الشرطة. دهم المنازل وهو ممارسات متكررة وكريهة، قد يتفاقم او قد يشمل حصيلة غارة على مركز لمتآمرين مزعومين. مهما يكن الأمر، فهذه «الحوادث» تنسب دائماً الى «القوى الانفصالية والأصولية او الإرهابية».

وخلافاً للمقاطعات الأخرى حيث التعبير عن الرأي العام عبر الإنترنت والعمل الجماعي، وحتى الدور غير المباشر لبعض وسائل الإعلام في اصطناع توازن مع القرارات الأكثر ديكتاتورية، يعمل الجهاز الإداري- البوليسي في معزل عن أي إشراف يتولاه المواطنون في مواجهة سكان عزل. ويغذي «قانون الصمت» المحلي حلقة جهنمية من الاتهامات المتبادلة بين السلطات والسكان. وفي حين أفضت أعمال الشغب العرقية في اورومكي عام 2009 إلى سجن أو فرض الصمت على المثقفين والطلاب والمدوّنين من الإيغور المحليين، مثّل إلهام توهتي وحده ومن مقره في بكين، أثراً هشاً لما تبقى من مجتمع مدني ايغوري. وتابع التعليم، تحت الرقابة طبعاً، في الجامعة المركزية للقوميات وأدار موقعاً للمعلومات عن شينغيانغ باللغتين الصينية والإيغورية (وهو موقع محظور في الصين منذ 2009). والأستاذ توهتي، ابن صين الانفتاح والإصلاحات والعلماني والمعتدل، نفخ في طلابه الإيغور المتحدرين من نخبة النظام المدرسي الصيني، ثقافة طرح الأسئلة والتحقيق والنسبية الغائبة بشدة عن عقيدة الحزب الشيوعي الجامدة حول وحدة القوميات.

وتبنت بكين بتسليمها توهتي الى سلطات شينغيانغ التي تريد محاكمته بتهمة النزعة الانفصالية، خطاً شديد التصلب. ويوضح نيكولاس بيكولن المسؤول في منظمة «هيومان رايتس ووتش» أن «تعريف النزعة الانفصالية الذي تتبناه العدالة الصينية ليس هو المطالبة باستقلال منطقة ما، بل استخدام المسائل الاجتماعية الملتهبة لتعميم الاعتراض والاستياء من السياسات القائمة، ما يوهن الوحدة بين المجموعات العرقية».

رغم ذلك يرمي جرس الإنذار إلى تنبيه السلطة المركزية إلى الطريقة التي تشوّه بها سلطات شينغيانغ الوقائع وتقدم رؤية مجتزأة ومحدودة للأحداث. ويقول بيكولن ان «الهدف من كل ذلك هو تغذية المقولة التي تنسب كل مشكلات شينغيانغ الى مؤامرة إرهابية، مركزها خارج الصين».

وتشير السلطات الصينية بعبارة «دونغتو» (تركستان الشرقية) الى القوى المعادية بغية الخلط بين الأكثرية المؤيدة للغرب والعلمانية من المقاومة الإيغورية الممثلة في مجلس الإيغور العالمي وبين أقلية إسلامية قومية تعمل على هوامش القاعدة في باكستان وتمكنت أخيراً من تنفيذ أعمال انتقامية.

وإلهام توهتي الذي لا يمكن اعتباره أصولياً، أبقى نفسه بعيداً عن الشتات الإيغوري في الخارج الذي تناصبه بكين اشد العداء. وحل المشكلة الإيغورية لا يمكن ان يأتي، في رأيه، الا من اضفاء الديموقراطية على النظام الصيني. وكان أسرّ إلينا في مقابلة سابقة بأن «زمن الحوار مع الصينيين سيأتي، سيحصل بالضرورة، ويجب العثور على الحل في بكين». أما الدولة الصينية فتفضّل التزام الصمت.

* مراسل، عن «لوموند» الفرنسية، 20/2/2014، إعداد حسام عيتاني

http://alhayat.com/Opinion/Writers/896540/بكين-تستعد-للأسوأ-في-شينغيانغ