الموجة الثالثة من الانبطاح

الموجة الثالثة من الانبطاح

المصدر: تركستان تايم

ان العرب منذ القدم يتسمون بقيم الإباء والنجدة وكرم الضيافة وإغاثة المظلوم، وظلت قبائلهم في جزيرة العرب مستقلة لا تخضع لحكومة موحدة حتى منّ الله عليهم بالإسلام فصحح العقيدة ونشر العدل وعزز القيم الإنسانية، ووحدهم وجعل من شتاتهم دولة وخلافة عظيمة تضم العديد من الأمم. كان العرب هم عماد الخلافة الراشدة والأموية، ثم تراجع دورهم إلى حد بعيد في عصر الخلافة العباسية وبالأخص مع بداية عصر الضعف فيها بنهاية خلافة “الواثق بالله بن المعتصم (842 – 847م )” حيث بدأت الانقسامات والصراعات الداخلية تجتاح مركز الخلافة ودولها المتعددة حتى اجتاحها المغول ودمروا عاصمتها بغداد 1258م وانتهى تقريبا دور العرب السياسى في صنع الأحداث وصياغة التاريخ منذ ذلك الحين، حيث سيطر على المشهد في بلدان العالم الإسلامي والعربى الكثير من الدول الإسلامية ذات الأصول غير العربية مثل: السلاجقة الأتراك والأيوبيون الأكراد والمماليك بأعراقهم المتعددة، ويستثنى من المشهد بعض الدول ذات القيادات العربية مثل: القاسميون في اليمن والسعديون في المغرب. تتابعت الدول والإمارات الإسلامية في المنطقة العربية حتى سيطرت الخلافة العثمانية التركية على مقاليد الأمور في بلاد العرب -ونعنى بالعرب ليس العرق العربى فحسب ولكن كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: ” إنما العربية اللسان فمن تكلم العربية فهو عربى ” وبذلك اتسعت الأمة العربية خارج جزيرة العرب لتمتد من المحيط الأطلسى إلى الخليج العربى حتى الصومال جنوبا – مع ضعف وانهيار الخلافة العثمانية بدأت السيطرة الاستعمارية للقوى الأوروبية على العالم العربى سياسيا واقتصاديا، وعلى الأرض، بل وفكريا إلى حد بعيد؛ وانبطح العرب دهرا تحت نفوذ القوى الاستعمارية الغربية وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا اللتان بلغ نفوذهما ذروته مع اتفاقية سايكس بيكو الشهيرة 1916م والتي قسمت بينهما أراضى العرب، واحتل الأوربيون في تلك الفترة معظم أراضى العرب الذين خضعوا بصفة عامة للنفوذ الغربى، إلا القليل بالطبع من أحرار الأمة، كما تمكنت بريطانيا من زرع الكيان الصهيوني الغريب (إسرائيل) في قلب العالم العربى أثناء ذلك الانبطاح الأول للعرب.

مع نهاية الحرب العالمية الثانية ( 1939 – 1945م ) تراجع دور بريطانيا الدولى تدريجيا لتصبح قوة من الدرجة الثانية لصالح بروز الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى أولى في العالم ينافسها في ذلك الاتحاد السوفيتى السابق، انسحبت بريطانيا وفرنسا وغيرها من القوى الاستعمارية الأوروبية كإيطاليا وأسبانيا من المشهد السياسى المسيطر على العرب واستقلت الدول العربية سياسيا، ولكن يبدو أن للعرب ولع بالخضوع لقوى إذ بدأت سريعا عقب استقلال الدول العربية الموجة الثانية من الانبطاح السياسى والاقتصادي والثقافى لزعيمة العالم والغرب الجديدة الولايات المتحدة الأمريكية ينازعها على الولاء السياسى العربى الاتحاد السوفيتى الذى تراجع نفوذه تدريجيا حتى انهياره في العام 1991م لتصبح الهيمنة منفردة للولايات المتحدة الأمريكية. ويستكين العرب لسيدة العالم حتى حين.

 مع بروز الصين كقوة اقتصادية كبيرة واحتلالها لمكانة ثانى أكبر اقتصاد في العالم – وإن كان بعض الاقتصاديين بحساب قوة الدولار واليوان الشرائية يعتبرونها القوة الاقتصادية الأولى في العالم – لتزاحم تدريجيا النفوذ الأمريكي في العالم وفى بلاد العرب عبر تجارتها الخارجية القوية فالصين أكبر مصدر حاليا، وعبر مشروعاتها الاقتصادية الجيوسياسية كالحزام والطريق، ومن ثم بدأ ساسة العرب ينتبهون إلى وجود سيد جديد (الصين) قد يزيح السيد الحالي (أمريكا) من مكانة القوى العظمى الأولى في العالم ومن ثم بدأت مؤشرات الموجة الثالثة من الانبطاح العربى لمن قد يسود العالم!!!!. ولا أدرى لماذا لا يقف العرب شامخى الهامات ولديهم كافة مقومات الشموخ ثروات اقتصادية، سكان، جغرافيا، تاريخ، فضلا عما يتمتعون به من عقيدة إسلامية تمنحهم رؤية فكرية وإنسانية وثقافية عميقة، وباختصار، العرب أمة لديها مشروع حضارى متكامل، لكنها بعيدة عن عزة الإسلام. تسارعت وتيرة العلاقات العربية الصينية وأنشد الطرفان نشيد الإرهاب الإسلامي لتبرير سياستيهما القمعية تجاه شعوبهم البائسة، مع الصدام الغربى الروسى على الساحة الأوكرانية بدأ تململ ساسة العرب من الهيمنة الأمريكية السياسية والنقدية ورفضت بعض الدول العربية إدانة الغزو الروسى لأوكرانيا وأظهروا الرغبة فى اعتماد عملات أخرى غير الدولار الأمريكى في تعاملاتهم النفطية وغيرها؛ متكئين على الصين التي تطرق خباءات العرب بود مصطنع وكأنها تتمثل قول الشاعر: طرقت باب الخبا قالت من الطارق ** فقلت مفتون لا ناهب ولا سارق

  بل ناهب وسارق جديد يسرق الثروة والحرية ويعزف مع ساسة العرب على أوتار الأوليجاركية (حكم القلة) الديكتاتورية المسيطرة والإرهاب الإسلامي، وهى معزوفة مفضلة لدى حكام المسلمين والصين الشيوعية!!!!، وبدأت العديد من الدول العربية في تقبل الاستثمار والنفوذ الصينى في مختلف المجالات والأسوأ هو تلبية مطالب الصين بتسليم الأويغور المسلمين وإخراجهم من بلدان العرب، حدث ذلك في مصر مع الطلاب الأويغور الذين يدرسون في جامعة الأزهر، وفى الطريق نفسه تسير المملكة المغربية وتلحق بالركب بعض دول الخليج، والمملكة العربية السعودية كانت ملاذا للمستجيرين من الظلم فعبر تاريخها رحبت المملكة بالمسلمين المضطهدين الفارين من بلدانهم كمسلمى بورما بل والأويغور عقب الاحتلال الصينى الشيوعى لبلدهم تركستان الشرقية عام 1949م فأكرمت وفادة الجميع فأكرمها الله الغنى من فضله. فهل أصبح تسليم الأويغور (المرفوض شعبيا أيا كان المبرر) للصين الشيوعية مؤشر الود والمحبة بين العرب المسلمين والصين الشيوعية!!؟؟؟. دون أي اعتبار للمبادىء الإنسانية والقانون الدولى الذي يحظر تسليم المطلوبين لبلد قد تتعرض فيه حريتهم أو حياتهم للتهديد، وأين النخوة العربية؟؟؟……….. يبدو أنها قد سلمت للصين الشيوعية.

لقد أصبح التركستانيون الأويغور والقازاق وغيرهم في بلدان العرب كالمستجير من الرمضاء بالنار؛ بعد أن بدأت مؤشرات الموجة الثالثة من الانبطاح العربى.

 

د/ عزالدين الوردانى

كاتب متخصص في شؤون آسيا الوسطى