الصين تلعب ورقة مغازلة الأقلية المسلمة لمقارعة الخصوم

الصين تلعب ورقة مغازلة الأقلية المسلمة لمقارعة الخصوم

Turkistantimes , 25.07.2018

الصين تواجه عقبة ملف الأقليات

تزامنا مع توجّه العالم، إلى نظام جديد، بدأ في هندسة ملامحه الكبرى دونالد ترامب بإيعاز من “صديقه العدو” فلاديمير بوتين، لا تخفي الصين في الأعوام الأخيرة عزمها المضيّ قُدما لافتكاك الزعامة من القوى العظمى التقليدية كأميركا والاتحاد الأوروبي وموسكو، لا من الناحية الاقتصادية والتجارية فحسب، بل من خلال تحرّكات سياسية مطّردة باتت محلّ اهتمام العالم، وخاصة دول منطقة الشرق الأوسط التي أصبحت مرمى سياسات بكين لما تضمّه من جاليات صينية مسلمة ضخمة، رغم كل الاتهامات الموجّهة للأخطبوط الأحمر بشأن اضطهاد المسلمين وبقية الأقليات العرقية والدينية في الداخل.

بكين – يُجمع كل المتابعين لتطورّات الوضع الدولي المحفوف بمستقبل سياسي لم تتشكّل أضلعه بصفة تامة بعد، إلاّ أنه بدا واضح المعالم خاصة عقب قمة هلسنكي التاريخية بين بوتين وترامب، على أنّ المارد الصيني تخلّى في وسط كل الصراعات الدولية والإقليمية بصفة تدريجية عن عاداته الدبلوماسية الناعمة التي كانت متمحورة في جلّها حول ملفات اقتصادية وتجارية، ليراهن قادته على نهج خطوات كثيرة ومعمّقة تصبّ في خانة لعب أدوار سياسية هامّة لإعادة تشكيل موازين القوى العالم عبر مغازلة قادة دول منطقة الشرق الأوسط ودول أفريقيا.

وينظر العالم اليوم، بكل اهتمام إلى تحرّكات بكين السريعة لإحاطة نفسها بحزام سياسي دولي وعربي قد يمكنّها من لعب أدوار هامة مستقبلا في تفصيل المشهد وضبط خارطة قوى جديدة، خاصة أنه منذ فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية عادة ما كانت منطقة الشرق الأوسط وصراعاتها بعيدة عن اهتمامات قادة الصين لأسباب متعدّدة يتعلّق بعضها بطبيعة سياسات الصين الداخلية والخارجية وبعضها الآخر بالخوف من المجازفة أو الاقتراب من واقع المنطقة الذي قد يجعلها تكتوي بنيران القوى العظمى المتسيّدة للعالم.

ويعتبر الكثير من المراقبين، أنّ عدة متغيرّات دولية ومنها الحرب التجارية مع الولايات المتحدة الأميركية، حتّمت على الصين وجوب توجيه بوصلتها للشرق الأوسط وكل هذا أكّده خطاب الرئيس الصيني شي جين بينغ أمام الدورة الثامنة لمنتدى التعاون الصيني العربي الذي انعقد في العاشر من يوليو الحالي في بكين بحضور عربي واسع، حيث أعلن عن قروض صينية لدول عربية تبلغ عشرين مليار دولار، تخصص لمشاريع التنمية في تلك البلدان.

ولا تنفصل، الرغبة الصينية الأخيرة، عن مقاربة خطّط لها الحزب الشيوعي منذ ثلاثة عقود ولها مساران، الأول بإغراق العالم ومنطقة الشرق الأوسط بالسلع والبضائع الصينية، والثاني بجعل دبلوماسيتها في المنطقة من ناعمة وسلسة إلى مستقطبة وهادفة لكسر نفوذ القوى التقليدية المعروفة وفي مقدّمتها الولايات المتحدة.

وسعت الصين مؤخرا إلى توطيد علاقاتها مع العالم العربي عن طريق تخصيص 106 ملايين دولار أميركي في شكل مساعدات إلى البلدان التي تعاني من مشاكل بما في ذلك فلسطين والأردن وسوريا واليمن ولبنان، وإحداث صندوق مشترك صيني عربي بقيمة 3 مليار دولار أميركي سيستثمر في البنية التحتية للمواصلات والنفط والغاز والمال والاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي.

بعيدا عن نجاحاتها وغنائمها وصفقاتها التجارية، المتناثرة في كل شبر من العالم العربي والعالم عموما، فإن بكين، اختارت بالتوازي مع كل هذا تمشّيا جديدا مليئا بالمخططات القائمة أساسا، على محاولة حلّ كل مشكلاتها الإنسانية انطلاقا من الخارج وذلك من خلال المساعي الكبيرة في الفترة الأخيرة إلى استقطاب وضمّ المسلمين إلى معسكرها بلعب أوراق جالياتها أو جاليات مستعمراتها مثل تركستان المسلمة في العديد من الأقطار العربية.

وفي حركة معاكسة لكل التوقّعات، نزلت الصين بكامل ثقلها للتخفيف من حدة الانتقادات الموجّهة إليها داخليا بدوس أبسط مقوّمات الحياة لعديد من الأقليات الدينية وخاصة منها المسلمة، عبر مغازلة أقليات مثل التركستان المستقرّة في بعض البلدان العربية، وذلك لتفادي الانتقادات الدولية التي توظفها ضدّها القوى العظمي كأميركا التي تتهمها دائما بقمع تمارسه مثلا في المقاطعة الشمالية الغربية شينجيانغ.

عقبة الأقليات تحاصر بكين

الدلاي لاما: الصين ستغير موقفها المتشدد تجاه الأقليات الدينية

ويعرف التركستان، وهم محلّ اهتمام بكين اليوم، بأنهم لا يعرفون أنفسهم على أنهم صينيون بالمعنى الإثني أو الجغرافي. حيث يقدّم الكثير منهم أنفسهم على “أنهم جزء من مجموعة مقموعة”. ويعتبر العديد من المتابعين أن بكين تسعى بمغازلتها جاليات من الإثنية الصينية إلى استهداف مجموعة الإيغور التي لم تكتف بمساندة الإيغور تاريخيا لكنها حافظت على علاقات وطيدة مع تايوان.

هنا، لا يمكن فهم طبيعة الحركة الصينية بمغازلة المهاجرين التركستان إلى بعض الأقطار العربية، لتلميع صورتها الخارجية الملوثة دوليا بانتهاكات عديدة للأقليات، إلا من خلال القيام ببسطة على أصل العداوة بين الطرفين.

يستبعد دارسو التاريخ والصراعات الحضارية، فكرة أن يكون مردّ الأزمة الصينية مع تركستان الشرقية، ناتجة عمّا بات يعرف في العشريات الأخيرة بصدام للحضارات، ليتضّح أن حقيقة الاحتلال الصيني لهذا البلد ذي الأغلبية المسلمة لها دوافع توسعية وتجارية واقتصادية بحتة.

وتعتبر تركستان ممرّا للتجارة الصينية، ولذلك فان أهم الدوافع التي دفعت بالصين للسيطرة على هذه المنطقة هو الدافع التجاري، بالنظر إلى أنها كانت قديما تمثّل معبرا هامّا للتجارة على المستوى العالمي، فطريق الحرير ذو الأهمية الإستراتيجية تاريخيا كان يمر بها، ولذلك فقد كانت الجسر الذي تعبر منه الصين إلى القارات القديمة.

وعرف المهاجرون التركستان في العديد من الدول العربية بمناصرتهم العلنية لكل قضايا الحريات، عبر الإعلان اللاّمتناهي عن رفض سياسات بكين المنتهكة للأقليات المسلمة وخاصة في علاقة بأزمة الإيغور.

وفي علاقة بهذه الأزمة التاريخية، تحوم حول الموقف الصيني من الشرق الأوسط علامة استفهام كبيرة في الوقت الحالي، وهو تساؤل يفتح العديد من المسارات والثنايا بشأن إمكانية أن تكون الصين حليفا للعالم الإسلامي.

ويُعرف الموقف الصيني من المسلمين بأنه متأثر بشكل كبير بوجود الأقلية المسلمة الكبيرة داخل الصين نفسها، فهناك حوالي 20 مليون مسلم في الصين وهو رقم كبير لكنه ضئيل مقارنة بعدد السكان الإجمالي البالغ 1.3 مليار، وبشكل رئيسي فإن بكين تشعر بالعصبية من الإسلام وتعتبره دينا يهدّد الدولة.

وفي الصين مجموعتان من المسلمين مختلفتان اختلافا كبيرا، الأولى هي المجموعة العرقية التي تدعى “هان” ومنتسبوها لا يتكلمون سوى اللغة الصينية على الرغم من أنهم يعتبرون أنفسهم مجموعة عرقية منفصلة بسبب هويتهم الثقافية والدينية المستقلة منذ عصور طويلة. إنهم مستقلون استقلالا قويا ويفخرون بتراثهم الإسلامي، وهم موزعون في كل أنحاء الصين لكنهم يتركزون بشكل خاص في الشمال الغربي قرب منغوليا، وكذلك في الجنوب الشرقي للبلاد.

أما المجموعة العرقية الثانية من مسلمي الصين والتي تعادل في أهميتها عرقية الهوي لكنها تختلف عنها اختلافا كبيرا فهي “الإيغور” وهي مجموعة تضم الذين يتحدثون التركية، إذ إن لغتهم وثقافتهم قريبة جدا من لغة وثقافة الأوزبك. وكان الإيغور أول أتراك تكونت لهم حروفهم الهجائية الخاصة بهم وأول من حصل على التعليم منهم. وكانوا دوما شعبا مستقرا مستوطنا وليسوا بدوا ويعيشون بشكل رئيسي على الزراعة والتجارة.

محاولات استقطاب للإيغور

ويعيش الإيغور في إقليم شينغيانغ غربي الصين، أو ما اصطلح على تسميته بتركستان الشرقية، ويشهد الإقليم أعمال عنف دامية منذ العام 2009، حيث يطالب سكانه بالاستقلال عن الصين، فيما تعتبر بكين الإقليم منطقة ذات أهمية إستراتيجية لها.

ويعاني الإيغور من انتهاكات لحقوق الإنسان من قبل السلطات الصينية التي تفرض قيودا على الحقوق والحريات في الإقليم وصلت حدّ منع المصاحف عن سكانها أو منعهم في فترات سابقة حتى من الصوم وهو ما أكده زعيم الإيغور ديلكسات راكسيت في عام 2005 بقوله إن” السلطات الصينية أجبرت الآباء الإيغور على التعهد بمنع أبنائهم من الصيام في شهر رمضان”.

وبتمسّكها، بمحاولة استقطاب بعض الإيغوريين، المقيمين في دول عربية، تحاول بكين تخطّي عقبة ملف انتهاكات حقوق الإنسان التي تجابه به من قبل الدول العظمى المنافسة لها في المنطقة في إطار رغبة جامحة للإعلان عن نهاية حقبة وبداية أخرى يكون فيها للصينيين شأن عظيم قد يساهم في بناء عالم جديد تكون فيه الزعامة من نصيبها.

ولم تعد مساعي الصين في علاقة بهذا الملف خافية على العالم، حيث أوكل الملف بصفة رسمية لمغازلة الصينيين من أصول توركية مقيمين في دول عربية إلى إدارة عمل الجبهة الموحدة، وهي الوحدة الأساسية في الحزب الشيوعي المكلفة بالاتصال بالمجموعات الأساسية غير المندمجة في الصين وفي مختلف أنحاء العالم.

وتدخل بكين في هذا التمشي الجديد وهي تدرك جيّدا الانتقادات الموجهة من قبل هيئات حقوق الإنسان وخاصة أميركا التي تحصرها منذ عقود في الزاوية بالارتكاز على ملف اضطهاد الأقليات في الصين.

حرب عملات بين بكين وواشنطن

بكين – رفضت الصين اتهامات الرئيس الأميركي دونالد ترامب لها بالتلاعب بقيمة عملتها لمنح مستوردي بضائعها أفضلية، وقالت إن واشنطن تبدو “مصممة على استدراج حرب تجارية”. وشن ترامب الجمعة هجوما جديدا اتهم فيه الاتحاد الأوروبي والصين بالتلاعب بالعملة مهددا بفرض رسوم على كل ما تصدّره الصين إلى الولايات المتحدة.

ونفت الصين تلك الاتهامات وقالت إن قيمة اليوان (العملة الصينية) تحددها قوى السوق أي العرض والطلب. وقال المتحدث باسم الوزارة غينغ شوانغ “لا نية لدى الصين لتحفيز الصادرات عبر تخفيض قيمة عملتها”.

وتسمح الصين للعرض والطلب بلعب دور في تحديد قيمة عملتها، لكن من المعروف عنها تدخلها لإبقاء اليوان ضمن هامش تعاملات ضيّق تعدله يوميا، وهو ما دفع في الماضي الولايات المتحدة وترامب إلى اتهامها بالتلاعب بقيمة عملتها.

وقال غينغ إن “الولايات المتحدة مصممة على استدراج حرب تجارية لا تريدها الصين لكنها لا تخشاها”. وتابع المتحدث “الصين ستقاتل عند الضرورة. لن ينجح التهديد والترهيب مع الشعب الصيني”.
وكانت آخر الرصاصات التي أطلقتها الولايات المتحدة على الصين حيث اعتبرت في تقرير نشرته في شهر ابريل أن انتهاكات حقوق الإنسان في الصين تشكّل “عوامل عدم استقرار” على غرار الانتهاكات الحاصلة في إيران وكوريا الشمالية.

وركز التقرير الأميركي السنوي حول حقوق الإنسان في العالم والذي عرضه وزير الخارجية بالوكالة جون سوليفان، على انتهاكات ترتكبها جهات حكومية صينية في حق الأقليات المسلمة.

وصدر التقرير في ظل تصاعد التوتّر والصراع بشأن زعامة العالم بين واشنطن وخصمها الإستراتيجي في الأعوام الأخيرة.

كما تجابه الصين أيضا بانتقادات من قبل منظمات حقوق الإنسان بشأن اضطهاد الأقليات المسلمة أو بسبب غياب الحقوق الجنسية وحقوق الإنجاب والحريات الفردية المتفق عليها في المواثيق الدولية.

وأكد التقرير الأميركي المذكور بأن الحكم الضعيف والفاسد والمضطهد لحقوق الإنسان يشكل تهديدا للأمن العالمي والمصالح، مشيرا إلى أن الحكومة الصينية غير قادرة على الحفاظ على الأمن وتأمين الاحتياجات الأساسية لشعوبها”.

وأضاف أن “الدول التي تقيّد حرية التعبير والتجمع السلمي وتسمح وترتكب أعمال عنف ضد أفراد من الأقليات الدينية العرقية أو مجموعات الأقليات الأخرى أو تعمل على تقويض الكرامة الأساسية للناس، مدانة أخلاقيا كما أنها تسيء إلى مصالحنا”.

وتشدّد الولايات المتحدة بأن “الصين الساعية إلى تلميع صورتها انطلاقا من مغازلة أطراف مسلمة في دول عربية أو بغض الدول الأخرى، تشبه إلى حد كبير في تصرفاتها المنافية للحقوق الكونية للإنسان حكومات روسيا وإيران وكوريا الشمالية، على سبيل التي تنتهك يومياً حقوق أولئك الذين يعيشون داخل حدودها، وبالتالي فهي عوامل عدم استقرار”.

بالمحصلة، يجمع كل المتابعين على أن الصين المنخرطة ضمنيا أو علنيا في خطة تغيير العالم، تسعى إلى السيطرة على العالم في القرن الجاري، وتحويله إلى قرن الأمجاد الصينية، مؤكدين أن المفتاح الأمثل لهذه السيطرة يكون حتما عبر تركيز مشروع طريق الحرير الجديد، والذي يعدّ أضخم محاولة هندسية منذ عصر الإمبراطورية الرومانية، ويمتد بين العشرات من الدول، وذلك عبر مواصلة الزحف التجاري على العالم أو عبر إعطاء سياساتها نفسا جديدا يكون ممزوجا بدفع نحو تلميع الصورة بلعب ورقة توحي بتغيّر سياساتها حيال حقوق الإنسان والأقليات على أرضها.

https://alarab.co.uk/الصين-تلعب-ورقة-مغازلة-الأقلية-المسلمة-لمقارعة-الخصوم