الدليل على الموت.. تركستان الشرقية

الدليل على الموت.. تركستان الشرقية

المصدر: تركستان تايمز

قامت الحكومة الصينية بحملة لتشويه سمعة الناجين من معسكرات الإعتقال الذين يتحدثون ضد النظام واتخذت منعطفاً مروعاً بإصدار مقطع فيديو بعنوان “دليل الموت” يزعم أن وفاة إمرأة شابة من الأويغور كانت ذاتية.

انطلق الفيديو القصير لإثبات أن ميهراي أركين لم تمت في الواقع أثناء الإستجواب كما أشارت إذاعة آسيا الحرة. وبدلاً من ذلك ، قررت “تصحيح الأمور” وادعت أن سبب وفاتها هو رفض قبول العلاج لمضاعفات إلتهاب الكبد الوبائي ب.

إن ما يسمى بمقاطع فيديو “الدليل على الحياة”، حيث يتم عرض الأقارب المختفين لفترة طويلة على الشاشة لتمجيد الحزب الشيوعي الصيني، هي أحدث أساليب الحزب الشيوعي الصيني لتشويه سمعة النشطاء الذين يقومون بحملات نيابة عن أسرهم في تركستان الشرقية. حيث يظهر الأحباء الذين اختفوا على الشاشة ومن خلفهم خلفية بسيطة، أو في راحة منازلهم حول طاولات منتشرة. وعادة ما يتم تصويرهم وهم ينتقدون أقاربهم في المنفى ويطلبون منهم التوقف عن إنتقاد الصين وبعودتهم. وكثيراً ما يتم تجنيد زملاء العمل أو الأصدقاء للتشكيك أخلاقياً في المنفى أيضاً، وإتهامهم بالسوء أو الكذب أو السرقة.

قام الحزب الشيوعي الصيني بتطوير طريقة عمله منذ صدور أول هذه البرامج بعد وفاة المغني والموسيقي الأويغوري المحبوب عبد الرحيم هيت، في فبراير 2019. على خلفية رمادية اللون، ظهر عبد الرحيم هيت أشعث الشعر، وذقن كثيفة ولكن حليق الرأس، طمأن العالم أنه على قيد الحياة وفي “صحة جيدة”.

بعيدًا عن طمأنة النشطاء، أثارت حالة عبد الرحيم هيت وخطابه المحرج، الذي كان تحت الإكراه، قلقاً عميقاً. كما أطلق العنان لحملة #أنا أيضاً أويغور #MeTooUyghur ، مع الأقارب الذين يطالبون بأخبار عائلاتهم.

لقد تطورت مقاطع الفيديو “الدليل على الحياة” هذه من حيث الأسلوب والمصداقية منذ ظهور تلك الأيام. قدمت أبواق الحزب الشيوعي الصيني باللغة الإنجليزية، وصحيفة جلوبال تايمز و تشاينا دايلي، ومذيع سي جي تي إن CGTN (شبكة تلفزيون الصين العالمية) سلسلة من الأفلام الوثائقية تصف الحياة الجديدة لأقارب الأويغور فيالمنفى، الذين “تم شفاؤهم” من “التطرف” والنزعات الإنفصالية” خلال فترات ما يسمى بمراكز التدريب المهني – والمعروفة على نطاق واسع في الخارج بإسم معسكرات إعادة التعليم.

بذل طاقم CGTN جهوداً كبيرة لمتابعة قصة نشرها الشاعر المقيم في لندن عزيز عيسى ألكون، لوسائل الإعلام الغربية، بعد أن لاحظ على موقع Google Earth أن مقبرة أسلاف قريته، إلى جانب قبر والده المعتنى به جيداً، قد تم تدميرها وإزالة رفات والده. سافر صحفيو CGTN أميالاً على طول الطرق الترابية إلى القرية النائية حيث أُجبروا والدة ألكون الأرملة المسنة التي لم يكن على اتصال بها أو رآها لمدة ثلاث سنوات، على التنديد بإبنها والإدعاء بأن قبر زوجها الجديد كان أكثر ملاءمة.

 

الآن، يبدو أن الصين تتحرك في إتجاه جديد مروع. عندما ثبت أن مقطع فيديو “الدليل على الحياة” مستحيل، صنع قسم الإجراءات الجنائية مقطع فيديو يحاول التنصل من المسؤولية في وفاة محتجز.

لطالما حيرت وفاة ميهراي أركين عمها، مدرس اللغة الأويغورية والناشط عبد الولي أيوب، الذي يعيش في أوروبا. منذ إختفائها الغامض في يونيو 2019 بعد أن ضغط عليها والديها للعودة إلى تركستان الشرقية، على الرغم من أنها كانت تتمتع بمهنة واعدة في علوم التكنولوجيا الحيوية في اليابان، لم يدخر أيوب جهداً لإكتشاف مكان وجودها. تم حظره في كل مكان.

ولم تتأكد وفاتها الأخيرة في يونيو 2021 إلا بعد التحقيقات التي أجراها مراسل إذاعة آسيا الحرة، الذي اتصل بمركز الشرطة في مسقط رأسها. لكن أيوب لم يكن أكثر حكمة حول سبب وفاتها أو سبب إختفائها.

ومع ذلك، فإن الظهور الأخير لمقطع فيديو خاص يصف كيف ماتت ميهراي أركين، زاد من حزنه ومن تساؤله وحيرته.

تم نشر المقطع بعد عامين كاملين من إختفاء أركين، كان مُصوراً لدحض كشف صحيفة نيويورك تايمز نشرته في يوليو من هذا العام بشأن معاملة أقارب الناشطين الأويغور في المنفى، الذين غالباً ما يتم القبض عليهم وإرسالهم إلى معسكرات إنتقامية. كانت أركين أحد مواضيع الصحفي أوستن رمزي، الذي أجرى مقابلة مع أيوب حول النشاط الذي ربما يكون قد ساهم في إعتقال إبنة أخته إنتقاماً منه. بعد هذا الفيلم، تم إرسال مقطع فيديو خاص إلى رمزي من قبل قسم أخبار تركستان الشرقية، حيث أدلى طبيب أركين وشقيقها الأصغر بأنها كانت هي سبب وفاتها.

تهدف مقاطع الفيديو هذه إلى طمأنة العالم بأن بكين تضع مصالح الأويغور أولاً وإخماد “الأخبار الزائفة” التي تهاجم الصين من الغرب. لكن قرار الإبتعاد عن سياسة الصين المعتادة في التصدي العلني للهجمات على نزاهتها على التلفزيون الوطني والدولي، وإرسال مقطع فيديو خاص مفصل إلى صحفي دولي، بدا غريباً على أيوب.

وقال: من الواضح أنهم كانوا يتوقعون تراجعاً في صحيفة نيويورك تايمز، مضيفاً أن هناك الكثير من العيوب والتناقضات في الفيديو بحيث لا يمكن الإعتماد على مصداقيته.

وقال أيوب، كانت المقدمة في المقطع الوثائقي الذي أُرسل إلى رمزي مليء بالأخطاء الواقعية. وادعى المقطع أن سبب إنهاء أركين لدراستها وعودتها إلى المنزل هو اعتلال صحتها. قال أيوب، الذي أكد أنها قد تخرجت بالفعل في عام 2017، قبل عامين من استدعائها مرة أخرى. وقدم رسالة نصية دليلاً من آخر مراسلات لها مع صديق من مطار طوكيو، مما يشير إلى إحجامها عن العودة. أخبرت أركين صديقتها أن الشعور بالمسؤولية تجاه والديها المريضين، الذين تعرضوا للتهديد، ما أجبرها على العودة.

في الفيديو الذي تم تصويره في تاريخ مجهول ومن مكان مجهول أيضاً، قامت ديلارا محمود، مدعية أنها “الطبيبة المعالج” لإركين، بتلاوة قائمة من الظروف التي عانت منها الأويغورية الشابة، والتي استسلمت لها في النهاية بعد رفض العلاج.

كانت أركين تبلغ من العمر 30 عاماً وتتمتع بصحة جيدة قبل أن تختفي، وفقاً لما ذكره عمها. بعد 18 شهراً من الاحتجاز، وصف الطبيب أركين بأنها تعاني من مجموعة من الأمراض: التهاب المعدة والأمعاء الحاد، وإلتهاب المرارة المزمن، وإلتهاب الكبد المزمن B، وفقر الدم الشديد، وسوء التغذية، والسائل الجنبي على رئتها اليسرى، وسائل البطن (الإستسقاء) الناجم عن مرض الكبد. ومتبوعاً بأمراض أخرى. وقد عُرض على أركين العلاج من هذه الحالات لكنها رفضت، وفقاً لما ذكره الفيديو.

لقد رفضت جميع الأطعمة والمشروبات، وسحبت التستيل داخل الوريد، ورفضت التعاون مع العلاج، لدرجة أن المستشفى اعتقدت أنها قد تكون مصابة “بإضطراب إكتئابي”. وفقاً للمستشفى، حتى عائلتها لم تستطع إقناعها بالتعاون وتوفيت في النهاية بسبب “متلازمة وظائف الأعضاء المتعددة”.

لم يكن ما يشغل فكر أيوب أن إبنة أخته كانت مريضة، ولكن كيف أصبحت مريضة جداً. وإذا كانت أركين قد ماتت في الواقع بسبب إلتهاب الكبد الوبائي ب، وكان الفيديو حقيقياً، وبعيداً عن كونه تبرير للصين، فقد كان دليلاً إضافياً على المظالم الجارية في تركستان الشرقية. حيث المئات بل وآلاف الأبرياء اعتُقلوا دون محاكمة. ويوضح التدهور السريع الذي اصاب أركين من وجهة نظر أيوب، إن هذا بسبب الظروف المروعة التي يعيش فيها هؤلاء المعتقلون.

بقدر ما كان أيوب قلقاً، فإن الفيديو هو دليل على الجرائم التي يمارسها الحزب الشيوعي الصيني على شعبه وعلى مدى إستعداده لتغطية آثاره. وقال: كانت هناك روايات كثيرة جداً عن ظروف معسكرات الإعتقال، مما يفسر أن ميهراي أصيبت بسوء التغذية. حيث يتغذى السجناء على كعك مطهو على البخار وعصيدة نباتية وكوبين من الماء يومياً. إذا كان الفيديو صحيحاً، فلا عجب أنها أصيبت بسوء التغذية.

كان سرد المشاكل الصحية المتعددة لإركين دليلاً على معاناة إبنة أخته خلال الأشهر الأخيرة من حياتها.

إذا رفضت في الواقع الدواء وسحبت التستيل داخل الوريد، فعلينا أن نسأل السؤال: لماذا؟ سأل أيوب، الذي تعرض هو نفسه لإرهاب الإعتقال والتعذيب والسجن منذ بضع سنوات على “جريمة” الترويج للغة الأويغور. وأوضح الرعب الذي يملأ كل نزيل، حيث يتعرضون لعقاقير مجهولة وإختبارات طبية للمعتقلين تهدف إلى تحديد مدى ملاءمتهم لسرقة أعضائهم.

قال أيوب: سأخبرك لماذا. يفترض الجميع في تلك السجون أنهم هناك ليُقتلوا. لماذا تخضع نفسها طوعاً لعقاقير مجهولة من الممكن أن تسرع من موتها؟.

أضاف أيوب: لم يكن من المسغرب أن تكون مكتئبة، مشددة على أنها انتقلت إلى المنزل من مهنة واعدة في اليابان لرعاية والديها المريضين ظاهرياً، لكنها في الواقع تم إعتقالها واحتجازها بإجراءات موجزة عند وصولها.

وتعليقاً على أداء شقيق إركين في الفيديو، لاحظ أيوب أن نصه كان لافتاً للنظر في تشابهه مع نص الطبيب. مع عدم وجود خلفية طبية، تمكن شقيق أركين من تلاوة المصطلحات الطبية المعقدة باللغة الصينية دون تردد. قال أيوب ساخراً: لا يمكنني إلا أن أتخيل عدد المرات التي تدرب فيها على هذه الكلمات.

ميرشات أحب ميهراي. كان من التعذيب أن يلوم أخته بهذه الطريقة لتسببها في وفاتها. لا أستطيع أن أتخيل ما مر به.

بالنسبة إلى أيوب، لم يؤد هذا الفيديو إلا إلى تعزيز تصميمه على التحدث علناً عن الفظائع التي ارتكبت ضد شعبه. قال: أخشى أن أفكر فيما عانت منه مهراي أثناء الاحتجاز.

أنا حزين، لكني سأواصل النضال.

 

ترجمة/ رضوى عادل

https://thediplomat.com/2021/09/a-proof-of-death-video-from-xinjiang