مدربة الأويغور السابقة في معسكرات الاعتقال: أتمنى أن أمسح من قلبي وعقلي ما رأيته
المصدر: تركستان تايمز
قلب النور صديق، 51 سنة، هي واحدة من الأشخاص القلائل الذين يربطون تجاربهم في العمل في شبكة واسعة من معسكرات الإعتقال في منطقة شينجيانغ (تركستان الشرقية) غرب الصين، حيث يُعتقد أن السلطات تحتجز ما يصل إلى 1.8 مليون من الأويغور وأقليات مسلمة أخرى منذ أوائل عام 2017.
قلب النور صديق، هي مدربة تحظى بإحترام كبير بدأت بتدريس الأطفال لغة الصينية في المدرسة الإبتدائية رقم 24 في العاصمة أورومتشي في 1990، وتم إجبارها على تدريس اللغة في معسكر للرجال يعرف بإسم كانغ فانغو بين شهر مارس وسبتمبر 2017، وكذلك في معسكر للنساء في دار رعاية سابقة في منطقة توجونغ في المدينة بين سبتمبر وأكتوبر من ذلك العام. وتقدر قلب النور صديق، والتي تعيش في هولندا الآن، أن عدد المحتجزين في المعسكرين حوالي 000 10.
وتقول قلب النور صديق إنها لم تتمكن منذ فرارها من الصين من الإتصال بعائلتها في منطقة شينجيانغ، بخلاف تلقيها مكالمة هاتفية من زوجها في فبراير من هذا العام لطلب الطلاق، قبل وقت قصير من إختفائه. وتعتقد أن زوجها، الذي يعمل في شركة لوازم البناء، قد قدم طلباً لإنقاذ نفسه من التداعيات السياسية المرتبطة بقرارها مغادرة البلاد. في مقابلة أجريت مؤخراً مع إذاعة آسيا الحرة لخدمة الأويغور RFA، قدمت قلب النور صديق رؤى نادرة بشأن إدارة نظام معسكر شينجيانغ. لكنها قالت إنها رغم حريتها، إلا أنها لا تزال تطاردها ذكريات الإنتهاكات التي شهدتها في المعسكرات بإنتظام – وهي إنتهاكات لحقوق الإنسان تتعارض بشكل مباشر مع مزاعم بكين بأن المعسكرات تعمل “كمراكز مهنية” تطوعية يُعامل فيها “الطلاب” معاملة إنسانية.
إذاعة آسيا الحرة لخدمة الأويغور RFA: كيف انتهى بك الأمر إلى التدريس في المعسكرات؟
قلب النورصديق: في 28 فبراير 2017، اتصل بي مدير المدرسة وقال لي إنني بحاجة للذهاب إلى مكتب حكومي، مكتب تابع للحزب، من أجل إجتماع … ما أخبرونا به هو أن هناك مدرسة للأميين، وسوف نقوم بتدريس اللغة الصينية هناك إبتداء من 1 مارس 2017. قالوا إن الأمر سيكون سرياً، وأنه لا ينبغي لنا أن نخبر أحداً بما رأيناه وسمعناه في المكان الذي سنعمل فيه.
أخذنا سائق إلى هناك بقيادة الشرطة. كانت منشأة جديدة، وكانت المباني الخارجية رمادية اللون. كان المجمع محاطاً بالجدران والأسوار والأسلاك الشائكة. فتحوا البوابة الأمامية – كانت كهربائية – وفوجئ الجميع عندما دخلنا إلى المجمع. وتساءلنا أي نوع من المدارس للأميين هذا؟، لأنه كان هناك أفراد مسلحون من الشرطة والجيش يحرسون المكان. في تلك اللحظة بالذات، قلت لنفسي أنه يبدو وكأنه معسكر من نوع ما، ولكن كان من الصعب التفكير في الترفيه.
فتحوا لنا بابًا كهربائيًا آخر، ودخلنا إلى مبنى. بدأوا بفتح الزنازين، أول زنزانة رأيناها كان مباشرة عبر القاعة من غرفة الدراسة. بدأ بعض الرجال في الخروج، وكنت أرى أن أيديهم وأقدامهم مقيدة. كانت خطواتهم ثقيلة. وقفت وشاهدتهم فقط ثم ذهبوا إلى الفصل الدراسي. كانت هناك زنازين على جانبي الفصل الدراسي، وكانت مفتوحة. تم إغلاق النوافذ وكانت الزنازين من الداخل مظلمة. عندما ذهبت إلى الفصل الدراسي، كان الطلاب هادئين. لم تكن هناك طاولات كانوا يجلسون على كراسي صغيرة … ولأنهم جميعاً قد تم إحضارهم للتو، كان الرجال ما زالوا ملتحين [تم حلقها لاحقاً]. لاحظت أن العديد منهم يشبهون المتدينين، الزعماء الدينيين. قلت لهم: السلام عليكم، وجلسوا جميعا بهدوء ولم يقولوا شيئاً. أدركت أنني قلت شيئا خاطئا، قلت: دعونا نبدأ، وبدأت التدريس.
إذاعة آسيا الحرة لخدمة الأويغور RFA: ماذا رأيت في تعبيراتهم؟
قلب النور صديق: بعضهم كان جالساً ويبكي. كانوا يجلسون هناك مع شعور من الشوق، توقعوا أنني كنت هناك لإنقاذهم. كنت أرى ذلك في وجوههم. وكانت هناك كاميرات. تمالكت نفسي على الفور وبدأت الصف. لقد حاولت تعليم الصف بأفضل ما يمكنني فعله فقط.
إذاعة آسيا الحرة لخدمة الأويغور RFA: كيف تعامل الشرطة مع الجميع في الداخل؟
قلب النور صديق: كانوا قساة جدا على الأشخاص… بمجرد بدء الفصل، لم يكن لدى “الطلاب” إذن لطرح الأسئلة، ولم يُسمح لهم على الإطلاق بالتحدث بلغة الأويغور. كل الكتب والمواد التي استخدمناها كان عليها أن تبقى في غرفة الدراسة، ولم يكن من الممكن بالنسبة لنا إحضار الهواتف إلى الداخل. مثل هذه التهديدات المروعة جداً.
قلب النور صديق تعلم تلاميذ المدارس الإبتدائية في أورومتشي في صورة غير مؤرخة. معسكر نسائي
إذاعة آسيا الحرة لخدمة الأويغور RFA: لم تنته تجربتك الرهيبة في معسكر الرجال، صحيح؟
قلب النور صديق: لقد كلفوني، مرة أخرى، دون إرادتي، بالعمل في معسكر للنساء في توجونغ إبتداءاً من 1 سبتمبر 2017.
إذاعة آسيا الحرة لخدمة الأويغور RFA: كم عدد النساء اللواتي تم إعتقالهن في ذلك المعسكر؟
قلب النور صديق: أعتقد أنه كان حوالي 10,000. كان المباني عبارة عن ستة طوابق وفي كل طابق كان هناك 20 زنزانة. كان هناك 40، 50، 60 امرأة في بعض الزنازين … وكان معسكر النساء أكثر صرامة. أمر مروع، لقد كانت الحراسة مشددة أكثر من تلك الخاصة بالرجال، وكانت هناك مناطق مسيجة عليك المرور من خلالها وأنت تنتقل بين الطوابق، مغلقة بإحكام حتى أنه لا يمكن حتى ذبابة من العبور.
بالنسبة للرجال، كان هناك مرحاض واحد فقط… كان لدى الرجال دقيقة واحدة لإستخدام الحمام ودقيقة واحدة لغسل أيديهم ووجههم. لم يكن هناك دش للرجال. لم يستحموا أبداً، أما بالنسبة للنساء، كان هناك جدار خشبي جزئي … وضعوه داخل الزنزانة والمرحاض كان خلفه. يذهبون إلى المرحاض في دلو، يتناوبون كل يوم. كان هناك دش جماعي، وكل امرأة تستحم لمدة 10 دقائق مرة واحدة في الشهر.
كان هناك رجال شرطة مسلحون في كل مكان يحرسون المكان، كان هناك سياج بيني وبين الطلاب بينما كنت أقوم بالتدريس لهم … كنا نحصل على مهام في اللحظة الأخيرة وعلينا أن نقضي المساء في التحضير لتعليمهم في صباح اليوم التالي. كانوا يخبروننا أنه علينا أن نعلم الأغاني “الحمراء” (السياسية). كان على الطلاب حفظها. قد نقوم بتدريس مقطع ثنائي في يوم واحد ويقومون بإختبارهم مرة أخرى في الزنزانة. لن يعطوا الطعام لشخص إذا لم يتمكن من تلاوته.
أصوات الصراخ في وقت الغداء
إذاعة آسيا الحرة لخدمة الأويغور RFA: هل يمكنك وصف ما كانت عليه الإستجوابات في المعسكرات؟
قلب النور صديق: سمعت، ورأيت في معسكر الرجال أنه كانت هناك غرفة إستجواب تحت الأرض. في بعض الأحيان عندما كنت أقوم بالتدريس للصف، كانت الشرطة تأتي وتأخذ أشخاصاً للذهاب إلى هناك. كنا نسمعهم بينما كنا في الصف، أصوات صراخ. يحدث ذلك في وقت الغداء، كنت أتساءل عن نوع الإستجواب الذي كانوا يقومون به. كنت قد رأيت أشياء من هذا القبيل على شاشة التلفزيون وتساءلت عما إذا كان حقاً مرعبة جداً. وقد كانت بالفعل مرعبة.
سمعت عن رجل أصيب بجروح شديدة أثناء عملية الإستجواب لم يعطوه الدواء أو يعالجونه، وتفاقمت الجروح. وفي وقت لاحق، أخذوه أخيراً إلى المستشفى لكنهم لم يتمكنوا من إنقاذه، وتوفي. سمعت أيضاً عن الأشخاص الذين فقدوا عقولهم، حيث أصيبوا بالجنون.
صادفت أحد أفراد الشرطة الذين عملوا في معسكر النساء وتمكنت من الحصول على بعض المعلومات منها. كنا نتحدث أحياناً في الممرات، في أماكن داخل المعسكر لم يكن بها كاميرات. أخبرتني بأشياء في سرية، مثل أن ضباط الشرطة كانوا يأخذون مجموعات من أربع أو خمس فتيات للتحقيق معهم ويتناوبون إغتصابهن.
لا يمكنك رؤية وسماع هذه الأشياء والتفكير في أنهم ببساطة يقومون بالإبادة الجماعية الثقافية أو أن هذا له علاقة بالدين. هذا يتعلق بالقضاء على الأويغور… لقد رأيت ذلك بأم عيني، ولابد لي من التأكد من أن الآخرين يسمعون عن ذلك … لا أستطيع النوم ليلاً، أرى كل هذه الأشياء كما لو أنها أمام عيني مرة أخرى. سيكون من الرائع لو كنت أستطيع العيش بسلام لا أستطيع الإبتسام بعد الآن أتمنى لو أستطيع ببساطة أن أمسح من قلبي وعقلي ما رأيته.
تقرير جولشيهرا خوجا لإذاعة آسيا الحرة التابعة لخدمة الأويغور RFA. ترجمة: خدمة الأويغور. كتبه باللغة الإنجليزية/ جوشوا ليبس.
ترجمة/ رضوى عادل
https://www.rfa.org/english/news/uyghur/instructor-10052020130813.html