رسالة إلى أمي الحبيبة
حركة الأويغور, 21.04.2020
أمي العزيزة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد مضي على انقطاع التواصل الهاتفي بيننا ألف وخمسة وتسعون يوما أي تقريبا ثلاث سنوات ، وذلك منذ اليوم الخامس والعشرين من شهر ابريل /نيسان من عام ٢٠١٧ حين قلت لي يا أمي في آخر اتصال بيننا في ذلك اليوم : “لاتتصل بنا أبدا” وأنا أتذكر مكالمتنا تلك وصوتك الخافت كأنني اسمع صوتك الآن.كما أتذكر أصداء بكاءك وخوفك وقلقك الذي كان يرن في أذني وكأن شيئا مرعبا قد حدث لك ولأسرتنا أو على وشك الحدوث. وعلي الرغم من أني لم أكن أعلم ماذا حدث إلا أني كنت متيقنا من أن فجيعة كبري قد ألمت بأسرتنا.
أمي الحنونة، وعندما التقينا في ألمانيا في عام ٢٠٠١ أنت قلت لى مرات عديدة “أننا قد عشنا أعمارنا ولا نخشي إلا الله فاعمل ما بدا صوابا لك” وقد كنت صامدا وراسخا كالجبال في وجه التهديدات الصينية طوال السنوات الماضية.
والآن عندما اتذكر مكالمتنا الأخيرة في ذلك اليوم وصوتك الخافت على الهاتف ومدي الرعب الذي اصابك أتساءل ما الذي جري حينذاك لك ولأسرتنا؟
يا أمي الغالية الحاجة حبيبة خان كما هو معلوم لك فإنني على الرغم من أني كنت أكلم والدي الحاج عبد الكريم كل يومين أو ثلاثة على الهاتف إلا أني كنت أكلمك بشكل شبه يومي حيث أن الأحاديث بيننا لم نكن نود انتهاءها.وأنت يا أمي لم تكوني بالنسبة لى أما غالية وعزيزة فحسب بل كنت مصدرا للمعرفة وأستاذة لتعليم أساليب الحياة والقيم والأخلاق وفي نفس الوقت صديقة أشاركها فرحتي وسعادتي وهمومي وأحزاني.
ولم أستطع أن أقوم بخدمتكم وجلب المياه لكم حيث أني لم أكن أكاد أبلغ سن المراهقة وتحديدا في عام ١٩٨٢ الميلادي حتي تركت البيت وافترقت عنك وأفراد أسرتي لألتحق بالتعليم الديني في مدينة خوتن.
وقدمت أنت والأسرة تحويشة العمر لي وذلك لأتمكن من السفر إلى الخارج .
وتوجهت بالفعل في الثالث عشر من شهر مارس / آذار من عام ١٩٨٦ إلى الخارج تاركا أسرتي ووطني وذلك لكي أكمل تعليمي الديني حيث التحقت بالدراسة في مصر ودرست فيها ما يزيد على اربع سنوات.
يا أمي الغالية وفي عام ١٩٨٩ -وبدون أن أخبرك – توجهت إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج حيث اجتمعت في صعيد عرفة مع عدد من الطلاب الأيغور الذين قدموا من مصر وباكستان وتناقشنا في الأمور المتعلقة بمستقبلناوماذا يمكننا فعله بعد انتهاء دراستنا لخدمة قضية وطننا وأمتنا. وكانت خلاصة ما انتهينا إليه هي كالتالي: ” في حال انتهاء دراستنا وعودتنا إلي الوطن هناك خيارين اثنين أمامنا:
الخيارالأول: ” السير في طريق الله والقيام بالدعوة من أجل صحوة الأمة ومواجهة الإعتقال والسجن.
الخيارالثاني : ” عدم السير في طريق الله والتزام الصمت و الاهتمام بالأمور الشخصية. وهذان الخياران يعني أننا لن نتمكن من القيام بخدمة وطننا وأمتنا. وهنا استبعدنا الخياران وبحثنا عن خيار ثالث ألا وهو البقاء في الخارج والهجرة إلي الغرب ووجدنا أن ذلك أنفع لنا ولوطننا وأمتنا حيث نتمكن هناك من إسماع صوت أمتنا إلى العالم.
وقمت بدون علمكم باتخاذ القرار بالهجرة حيث وصلت مع بعض من زملائي إلى ألمانيا في التاسع من شهر سبتمبر / أيلول من عام ١٩٩٠ حيث قررت الإستقرار فيها. وتلك كانت خطوتي الأولى في الإنضمام إلى فريق من زعماءنا ومواطنينا ممن “هجروا الوطن من أجل الوطن”.
وبالرغم من أني كنت قد بعدت عنك بالنسبة للمسافة الجغرافية إلا أني كنت اشعر بأني قد أصبحت قريبا منك بالنسبة للمسافة القلبية وذلك باني كنت قد ازددت قناعة بعشقي وحبي للوطن. وهذا العشق كان يدفعني حينا إلى البحث عن سبل الوصول إلى أخبار المعشوق الوطن وتقصي أحواله وحينا آخر كان يدفعني إلى التحرك والعمل الدؤوب من أجل تحرير وانقاذ المعشوق الوطن.
يا أمي الحنونة ، و عندما قلت لي في تلك المكالمة الأخيرة : ” لا تتصل بنا أبدا” كان قد مضى على انقطاع التواصل مع غيرك من أفراد أسرتي من إخوتي وأخواتي عامين كاملين. وبتلك المكالمة الأخيرة انقطع التواصل معك أيضا.
هل تعلمين يا أمي الحنونة أنه مع قولك لي في تلك المكالمة ” لا تتصل بنا أبدا” أصبت بالصدمة وكدت أقع على الأرض من شدة الدوار الذي أحدثته تلك الصدمة وسالت الدموع من عيناي كالأنهار وحاصرتني آلام وهموم الفراق كأنه سيكون فراق أبدي.وعلى الرغم من أنك آثرت عدم إخباري إلا أني كنت أعلم المعاناة التي واجهتها وأسرتي الكبيرة منذ شهر من إجبار شقيقي عبد الرحيم على ” التآخي بالقوة ” مع شخص صيني غريب على ديننا وثقافتنا واستضافة ذلك الشخص المفروض بالقوة من جانب الحزب الشيوعي وإقامة ذلك الوغد في منزلنا.
فعندما سألتك في تلك المكالمة عن ما إذا كان ذلك الشخص عديم الحياء ما يزال موجودا في منزلنا أخذتك الحسرة وقلة الحيلة ولازمت الصمت.
لقد بدأ الإضطهاد والقمع الصيني لشعبنا منذ احتلال الصين لوطننا تركستان الشرقية وما يزال مستمرا بلا هوادة تحت مسميات مختلفة. و حاول الاحتلال الصيني كسر إرادة أسرتنا منذ البداية وذلك بمصادرة الأملاك والمنازل الواسعة الخاصة بجدي إدريس آخون إلا أن ذلك بحمدالله لم تثنيك يا أمي من عزيمتك وإرادتك . و على الرغم من أن وطننا قد تم احتلاله ولكن بيتنا قد اتخذناه وطنا نشم فيه رائحة الحرية، ولكن الآن يا أمي بالتأكيد أصبت بالصدمة الشديدة من احتلال بيتنا تلك القلعة الأخيرة للذود عن شرفنا وكرامتنا. كما أصبت أنت بالألم والصدمة الشديدة وأنت تشاهدين والدي المكافح وهو يتألم بحسرة مما يجري من اذلال لإخوتي ولأخي عبد الرحيم الذي تم استعباده أمامك. هل أرعبك وأقلقك يا أمي إلى هذه الدرجة مستقبل أحفادك؟ لقد كنت يا أمي مثالا للعطاء والحنان والشفقة والرحمة ليس لأبنائك وأحفادك فقط بل للأقارب ولأبناء الجيران. وكنت أعلم جيدا مدي صبرك ومواجهتك للتحديات والمصاعب. يا أمي ما هذا الظلم الذي وقع علي أفراد أسرتنا؟ هل آلمك هذا الظلم الذي انتشر في جميع أنحاء وطننا انتشار النار في الهشيم بحيث لا تستطيعين التحمل كما في السابق.
وهل لم تعودي تتحملين رؤية وطنك العزيز تركستان الشرقية التي كانت موطنا للحضارات على مر العصور يداس فيها القرآن الكريم ويحتقر فيها عقيدة الأمة وتاريخها وثقافتها وقيمها الوطنية؟
يا أمي العزيزة هل تعلمين أن حزن الفراق يرافقني أينما ذهبت منذ انقطاع التواصل معك؟ ولم اعد أستطيع التركيز بشكل جيد ؟ لقد حاصرتني آلام وأحزان الفراق بحيث أكاد أفقد بعض الأحيان تماسكي وقوتي ، ولكنني بحمد الله ألجأ إلى الله بالتضرع والدعاء لأستمد منه القوة والعون والإدراك من جديد.
وبعد ما مضي مائة يوم على انقطاع التواصل معك استطعت التواصل بفضل الله مع أحد أبناء أقاربنا الذي كان موجودا في إحدي المدن الصينية حيث أخبرني أن شقيقي عبد الرحيم قد حكم عليه بالسجن لمدة ٢١ سنة و أنه قد تم نقله إلى إحدي السجون في مدينة اورومتشي. كما أن شقيقاتي قد تم إحتجازهن في معسكرات الإعتقال النازية الصينية وأنه ليست لديه علم بما حدث لك ولوالدي. وعلمت منه أيضا أن منزل العائلة مغلق وأن أطفال إخواني وأخواتي لا يعلم مصيرهم.
يا أمي كما تعلمين فإن شقيقي عبد الرحيم كان هو المسؤول عن الإنفاق على العائلة من واردات محله الوحيد حيث كان يقوم على خدمتكم بعناية فائقة.
يا أمي ، ما مصير أبناء إخواني وأخواتي وأين يتواجدون؟
لقد عذبتني الأخبار السيئة الواردة تلو الأخري يا أمي !لقد حاصر ني الشعور بالضعف و قلة الحيلة أمام تلك المصائب يا أمي!
يا أمي والآن بدأت تتوارد معلومات عن أن كثيرا من أقارب أصدقائي أيضا قد تم احتجازهم في معسكرات الإعتقال النازية الصينية.
يا أمي الغالية لقد بدأت الآن أدرك معني قولك لي في حينها : ” لو أن الحدود مع الخارج قد تم إغلاقه يوما ما ولم نستطع التواصل مع بعضنا البعض لا تقلق علينا وكن متيقنا بأننا سوف نقوم بأداء أضحيتك في عيد الأضحي كما نفعل في كل عام ولا تتهاون في حماية أسرتك أبدا” كم أنت يا أمي أم عظيمة.
يا أمي لقد كانت زوجتي الحبيبة عاشقة الوطن روشان عباس خير رفيقة وصديقة لى حيث وقفت بجانبي توؤازرني وتشد من أزري في هذه الأيام العصيبة.
لقد قمنا يا أمي أنا وزوجتي على الدوام في البحث عن سبل إنقاذ شعبنا الذي يقبع تحت الاحتجاز التعسفي وغير الإنساني في معسكرات الإعتقال الصينية. فعندما تم إلقاء الملايين من أبناء شعبنا في معسكرات الإعتقال كانت وسائل الإعلام العالمية تتجاهل بث الأخبار المتعلقة بهم.
ولذلك قمنا نحن مع مجموعة من زملائنا بعقد إجتماعات عديدة للبحث في سبل إيصال صوت شعبنا إلي العالم حيث تم وضع خارطة طريق لتعريف العالم بقضيتنا حتي يتم الحيلولة دون تنفيذ الاحتلال الصيني لمخططه الإجرامي للإبادة الجماعية لشعب تركستان الشرقية.
لقد تمت الدعوة لعقد اجتماع عاجل للمؤتمر العالمي الأيغوري الذي يعتبر ابنك هذا من المؤسسين له حيث تم عقد الإجتماع في ألمانيا في الثاني عشر من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من عام ٢٠١٧.
وشاركت أنا وزوجتي روشان عباس في هذا الإجتماع حيث تم تعييني كمفتش عام للمؤتمر.
يا أمي لقد كان همنا وغايتنا أنا وزوجتي دائما قضية وطننا تركستان الشرقية. وعملت ابنتك روشان عباس يا أمي بدون انقطاع على إرسال المعلومات إلى مختلف وسائل الإعلام العالمية حيث أوصلت صوتك وصوت الملايين من شعبنا الأيغوري إلى العالم. وتعمل روشان بكل جهد على توفير المعلومات عن قضية شعبنا الذي يواجه الإبادة الجماعية إلى الحكومة الأمريكية والكونجرس وحثها على وقف ذلك.
يا أمي هل تعلمين أنه قد تم تنظيم مظاهرات حاشدة تحت شعار ” صوت واحد ، خطوة واحدة” ضد القمع الصيني للمرأة الأيغورية في كثير من دول العالم في ١٥ مارس / آذار عام ٢٠١٨ بمناسبة “يوم المرأة العالمي ” وذلك بمبادرة من ابنتك روشان عباس و عدد من رفيقاتها.
كما قمنا أنا وزوجتي بزيارة العديد من الدول لشرح قضية شعبنا للمسؤلين فيها واطلاعهم على ما يدور ويدبر ضد الشعب الأيغوري. كما اشتركنا في المظاهرات في دول عديدة.
وفي تلك الأيام يا أمي كان قد مضي على انقطاع التواصل معك أربعمائة يوم حيث لم استطع التقصي عن وضعك ووضع والدي، ولكن عندما كنت أخبر أصدقائي الأجانب أنني لم استطع التواصل مع أسرتي منذ اربعمائة يوم بسبب منع الصين كانوا لا يصدقونني.
يا أمي الحنونة هل تعلمين أنه عندما كنت أفكر فيكم وخاصة أخي عبد الرحيم الذي كان يعتني بكم كان يحاصرني الألم والعذاب.
يا أمي العزيزة لقد قمنا عن طريق منظمة المؤتمر العالمي الأيغوري وأيضا عن طريق منظمة الحركة الأيغورية الذي أسسناها منذ عدة سنوات بايصال قضية شعبنا إلى العالم وما يعانيه الملايين من الأيغور على أيدي الإحتلال الصيني من إعتقال تعسفي وتعذيب ممنهج وإبادة جماعية.
وكانت ابنتك روشان عباس قد دعت الحكومة الأمريكية والعالم في إجتماع بإحدي المراكز الأمريكية في الخامس من شهر سبتمبر / أيلول من عام ٢٠١٨ ( كان قد مضي على انقطاع التواصل معك خمسمائة يوم) إلي تقديم يد العون والمساعدة في التعرف على مصيرك ومصير أحفادنا وأقاربنا والملايين من أبناء وأطفال الشعب الأيغوري الذين قد غيبوا في السجون والمعتقلات الصينية المختلفة. وبعد ستة أيام من ذلك قام الإحتلال الصيني باختطاف جولشان عباس شقيقة ابنتك روشان عباس في اورومتشي و خالتها التي تجاوزت الستين من العمر في مدينة آرتوش وذلك انتقاما من روشان عباس.
يا أمي الغالية هل تعلمين أنك كنت سوف تفتخرين بابنتك روشان عباس التي تشبهك في صفات العاطفة والعدالة وعدم التفريط في الحقوق وعدم أذية الغير بدون حق وإرادتها الحديدية في العمل على تحقيق أمنيات شعبها وتوجيها أسئلة جريئة إلى الصين : أين والدي ؟ أين أختي؟ أين أقاربي؟ أين الملايين من أبناء شعبي؟ وكنت بالتأكيد يا أمي سوف تشجعينها على بذل المزيد من الجهد في خدمة شعبنا.
لقد اشتقت إليك يا أمي الحبيبة إشتقت إلى رؤيتك ، إشتقت إلى سماع صوتك ، اشتقت إلى التحدث معك.
لقد وددت يا أمي العزيزة لو أنني أستطيع أن أحكي لك كيف أن ابنتك روشان يتم تكريمها بسبب نشاطاتها من أجل خدمة قضية الشعب الأيغوري بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب و نائب الرئيس مارك بينس ورئيسة مجلس النواب نانسي بلوسي ووزير الخارجية بومبيو وغيرهم من المسؤولين الأمريكيين والدبلوماسيين الأجانب ووسائل الأعلام الأمريكية والعالمية.
وكم تمنيت يا أمي أن أري وجهك يتهلل فرحا بابنتك روشان وبهذه الإنجازات التي قامت بها.
يا أمي الحبيبة هل تعلمين أنني ومنذ انقطاع التواصل معك وجدت تسليتي لحسرتي عند اشتياقي لك بتذكرك وتذكر جميع أفراد أسرتي في الوطن. وأزداد فخرا كلما أتذكركم وأقول لنفسي كم أنا محظوظ بكوني أنتسب إلي أسرة كريمة عاقلة صابرة محتسبة مجتهدة طيبة القلب تتحدي الصعاب والمصائب.
ومن أجل عدم انقطاع الآذان من سماء تركستان الشرقية قمتم يا أمي ويا والدي بإرسالي إلى التعليم الديني الإسلامي حيث تلقيت أسس التربية والتعليم على أيدي شيوخ وأساتذة كرام ضحوا بأعمارهم في سبيل الله وقضوا مددا طويلة في سجون الاحتلال الصيني الشيوعي. كما أنكم كنتم عونا وسندا لزملائي الذين كانوا يدرسون معي في نفس الظروف.
يا أمي الحبيبة لقد أصبحنا أنا وزوجتي صوتكم وصوت شعب تركستان الشرقية إلى العالم وذلك عن طريق الإشتراك في المظاهرات و المؤتمرات والفعاليات التي تنظمها المنظمات الإسلامية والجامعات العالمية بخصوص قضية تركستان الشرقية.
ومن أجل القيام بالعمل والتحرك لنصرة قضية شعبنا قمنا أنا وروشان بزيارة العديد من الدول الأوروبية وتركيا واليابان وأستراليا وكندا بالإضافة إلى جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية التي نقيم فيها حاليا.
ونقوم بالإستمرار في نضالنا وكفاحنا من أجل قضية وطننا تركستان الشرقية حتي لا ينطفئ فيها صوت الآذان ولا ينقرض شعبنا الأصيل و يغلق المعسكرات والسجون و يقطع سلاسل الظلم والإضطهاد و يمتلك شعب تركستان الشرقية ارادته الحرة وتكون له دولته المستقلة من جديد ليعيش فيها عزيزا كريما.
وهذه كانت إحدي غايتنا عندما اجتمعنا ونحن في سن الشباب في صعيد عرفات في الحج وقررنا الهجرة إلى الغرب.
وأتوجه – يا أمي – بالحمد والشكر لله أن أصبح لنا جالية أيغورية في جميع مناطق العالم وأن أري تأسيس منظمات تعمل من أجل قضية وطننا تركستان الشرقية.
وخلال هذه السنة وفي إحدي المؤتمرات في مدينة وونكوير بكندا إلتقينا بالناشط الصيني شاوجانغ الذي يعتبر أول من أثبت عن طريق الأقمار الصناعية وجود معسكرات الإعتقال في تركستان الشرقية حيث يعرف في العالم كمتخصص في البحث عن شؤون المعسكرات. لذلك طلبنا منه إن كان بامكانه أن يرينا منزلنا في تركستان الشرقية. فسألني من أي مدينة أنت؟ فأجبته بأنني من قرية لاسكوي في مدينة خوتان وأعطيته عنوان منزلنا . وبعد دقائق فقط جلب لنا على شاشة التلفزيون موقع حي أغوت وشارع بستان ومقبرة بك تكمن ومرورا بالرمال حتي رأينا منزلنا الذي لم أشاهده منذ ٣٤ سنة. وودت لو أن باستطاعتي الولوج إلي الشاشة والوصول إليكم.
لقد دقت دقات قلبي يا أمي بحثا عنكم ولكني مع الأسف لم أجدكم. وسألت شاوجانغ يا أمي عن أقرب معسكر لمنزلنا. فقام بمسح الشاشة مرورا بسد المياه في قريتنا حتي وصل إلى معسكرات الإعتقال الواقعة في قرية الرمال الجديدة التي تقع إلى الشمال الغربي من لاسكوي. وأخبرنا شاوجانغ أن المعسكرات في توسع مستمر ودعانا إلى مشاهدة الأقسام الأخري من المعسكرات التي تم الإنتهاء من إنشاءها في التاسع والعشرين من شهر ديسمبر / كانون الأول من عام ٢٠١٩. ولقد توقعت أنه من الممكن أن يكون معظم أشقائي محتجزين في هذه المعسكرات. وآثرت يا أمي عدم تصور ما جري لشقيقاتي في هذه المعسكرات، ولكن لم استطع الإحاطة علما بمكان تواجدكم أنت ووالدي. ولما سألت شاوجانغ عن دور الأيتام أظهر على الشاشة مبني شبيه بالسجن قبالة مصنع لاسكوي. وبعد ذلك أظهر لنا شاوجانغ بتقنية ثلاثية الأبعاد منزل روشان في مدينة اورومتشي و مسجد توغاي الذي يقع أمام المنزل. ولم تكن جولشان عباس أخت روشان موجودة في هذا المنزل يا أمي ولانعلم أين هي؟ وقد تضايقت زوجتي روشان من عدم استطاعتنا العثور على مكان تواجد أختها. كما شاهدنا يا أمي عبر الشاشة كيف أن وطننا تركستان الشرقية قد إمتلأت بأعداد لا تحصي من المعسكرات والسجون. وفي الأخير أظهر لنا شاوجانغ عبر الشاشة معسكرا للإعتقال في مدينة داوانجين يبدوا أكبر بكثير من المدينة نفسها كما شاهدنا سجنا في مدينة اورومتشي قال عنه شاوجانغ أنه يعتبر أكبر سجن في العالم.
يا أمي الغالية يا تري ماذا جلب لكم فيروس ووهان الصيني من مصائب وكوارث جديدة؟ وكيف احتميتم منها؟ هل كان يوجد عندكم مايكفي من الغذاء والمياه ؟ وكم من أشقائي وشقيقاتي كانوا ضمن الشباب والشابات الذين نقلوا للإستعباد إلى داخل الصين ؟ وفي أي دور للأيتام يا تري يواجه أبناء إخواني وأخواتي الصغار الذل والهوان؟ وأيا من أشقائي قد يكون قضي نحبه في عمليات نقل الأعضاء البشرية؟ وهل يمكن أنه قد تم نقل شقيقي العزيز عبد الرحيم إلى السجون في داخل الصين؟
وبصريح العبارة يا أمي الحنونة لا أعلم إن كان أيا منكم على قيد الحياة أو إنتقل إلى رحمة الله؟ ولكن أتمني أن تكونو جميعا بخير. كما أسأل الله العلى القدير ان يكون شهر رمضان المبارك شهرا للبركة والمغفرة والنجاة لكم ولجميع أبناء الشعب الأيغوري الصامد وللأمة جميعا.
يا أمي العزيزة لقد قص علينا القرآن الكريم كيف أن الله سبحانه وتعالى قد أهلك الطغاة الذين طغوا في البلاد. وهذا الطاغوت الصيني سوف يهلكه الله إن عاجلا أو آجلا. وسوف يستجيب الله لتضرع وابتهالات الملايين من أمهاتنا اللاتي يتوجهن باكيات ومتضرعات إلى الله بالدعاء في صلوات الليل قبل صلاة الفجر في كل يوم.
وسوف نحصل على حريتنا واستقلالنا بإذن الله. فلا بد من بعد الظلام أن ينجلى الصبح” .
وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ( سورة الإسراء).
وسوف نلتقي أنا وأنت يا أمي العزيزة في هذه الدنيا أو في الآخرة.
ابنك
عبد الحكيم إدريس