ذا أتلانتك: مسلمو الإيغور في الشتات يكافحون لحماية ثقافتهم
المصدر: تركستان تايمز
عربي21– بلال ياسين
نشرت مجلة “ذا أتلانتك” مقالا للصحفية ياسمين سرحان، ترجمته “عربي21″، عرضت خلاله الاضطهاد الذي لحق بالأقلية المسلمة من قبل السلطات الصينية، وكيف يعمل الفارون منهم إلى الشتات جاهدين للحفاظ على هويتهم وثقافتهم من المحو.
وقالت إن الإجراءات القمعية ضد الأقلية الإثنية ساءت بشكل متدرج: فقامت الحكومة الصينية باحتجاز أكثر من مليون منهم في معسكرات اعتقال حيث يتم تعريضهم للتلقين السياسي والتعقيم القسري للنساء والتعذيب.
ولم يقتصر استهداف الإيغور على المعسكرات، فمنذ 2016 تم تدمير عشرات المقابر والمواقع الدينية، وحظر لغة الإيغور من مدارس تشنجيانغ وتعليم لغة “المندرين” الصينية بدلا منها. وتم اعتبار ممارستهم للعبادات الإسلامية أنه “مؤشر على التطرف”.
وتصور بكين تحركاتها هذه على أنها طريقة لاجتثاث الإرهاب والانفصالية والتطرف الديني. ولكن الهدف من أفعال الصين في تشنجيانغ واضح، فوفقا للصحفية، هو مجانسة الإيغور مع الغالبية من عرق “الهان” الصينيين، وحتى لو عنى ذلك محو ثقافتهم وهويتهم الدينية للأبد. فما يحصل في الواقع هو إبادة ثقافية.
وتداعيات هذا الفعل تثقل كاهل الإيغور حتى الذين يعيشون في الخارج، فمهمتم تتجاوز مجرد التوعية بما يحصل في وطنهم، وهي مهمة قام بها الكثير بتكلفة عالية عليهم وعلى عائلاتهم.
ولكن الأمر أيضا يتعلق بالحفاظ على الهوية في بلدان قد لا يعرف الناس فيها كثيرا عن الإيغور، ناهيك عن خسارة العالم إذا تم القضاء على لغتهم وطعامهم وفنهم وعاداتهم.
وفي محاولة لفهم هذا النوع من الحفاظ على الثقافة عمليا تحدثت كاتبة التقرير مع سبعة أشخاص من الإيغور يعيشون في بريطانيا وفرنسا وتركيا وأمريكا، وفهمت أنهم وعلى اختلاف أعمالهم “طباخون وشعراء ومغنون ومخرجو أفلام ومدرسو لغة وموسيقيون” حريصون على نقل إرثهم للأجيال المستقبلية، وكلهم يدرك خطر الإخفاق في ذلك.
ونقلت عن عمر كانات، مدير مشروع حقوق الإنسان الإيغوري في واشنطن، قوله: “كل شخص إيغوري اليوم يقع تحت ضغط نفسي كبير.. لا نستطيع النوم ليلا”.
وحتى نيسان/أبريل 2017 لم يعرف سوى القليل خارج وسط آسيا الكثير عن الإيغور. مع أن المجموعة الإثنية يبلغ عددها 11 مليون نسمة في شينجيانغ (تركستان الشرقية) وحوالي مليون خارج الصين، أكثرهم في كازخستان وأوزبكستان وتركيا، وعدد أقل بكثير في أمريكا وأوروبا. ولم تصل التقارير حول الاضطهاد الذي تعرضوا له حتى وقت متأخر من ذلك العام.
وبناء على ذلك فإن موكادس يديكار، إيغورية من بلد إيلي في شمال غرب شينجيانغ بالقرب من الحدود مع كازخستان، قررت أن تفتح مطعما اسمه إتلس، كواحد من أوائل المطاعم الإيغورية في لندن، حيث تبرز واجهة المطعم الخارجية الزرقاء عن بقية المتاجر في الشارع الواقع في شمال لندن، ويقدم قائمة متنوعة ومتباينة من طعامهم، والذي يعكس موقع وطن الإيغور على طريق الحرير.
وقالت يديكار إن غياب المطبخ الإيغوري عن الساحة البريطانية ألهمها هي وزوجها ابليكيم رحمان تجاه فتح المطعم ابتداء.
وأضافت: “في البداية كان أغلب الزبائن صينيون بسبب قلة معرفة البريطانيين للمطبخ الإيغوري، ولكن الآن أصبح معظم الزبائن من الإنجليز. قائمة الطعام تشجع أيضا المجتمع المسلم الذي يبحث عن الأكل الحلال”.
ويعكس مطعم إتلس الثقافة الإيغورية، فعلى أحد الجدران علق نسيج للوحة مشهورة هي لوحة (المقام الإيغوري للغازي أحمد)، وعلى كل جدار أداة تقليدية أو غطاء مطرز أو صحن زينة.
وعندما سألت الكاتبة يديكار ورحمان عن الدور الذي يشعران أنهما يلعبانه في حماية الثقافة الإيغورية، قال رحمان مشيرا إلى أطفاله الثلاثة: “نحن فقط نحاول أن ننقل ثقافتنا وهويتنا وديننا للجيل القادم”.
وقالت يديكار: “من خلال المطعم يمكننا تعريف شعبنا بثقافتنا وعاداتنا (…) لا نستطيع الذهاب إلى الوطن ولا نستطيع رؤية أهلنا وهم لا يستطيعون المغادرة. علينا أن نحمي التراث”.
واضطر الكثير من الإيغور إلى مغادرة وطنهم (الذي يفضلون تسميته تركستان الشرقية) والذي تمتع بالكاد بالحكم الذاتي حيث يرزح تحت السيطرة الصينية منذ عام 1949.
وهذا ما حدث مع رحيمة محمود التي تعيش الآن في لندن وهي مغنية وناشطة إيغورية من بلدة غوجلا شمال شينجيانغ.
ولدت الناشطة محمود في عائلة موسيقية وبدأت في هذا المضمار بسن مبكرة، وتقول: “بحسب أمي كنت أستطيع الغناء بمجرد أن بدأت الكلام”، بينما قام إخوتها الأربعة بعزف الآلات الموسيقية التقليدية مثل الدوتار والطمبور والطبول.
وقررت محمود مغادرة غوجلا قبل عقود من إنشاء معسكرات الاعتقال للإيغور. وخلال زيارة لعائلتها عام 1997 شهدت محمود قمعا لمظاهرة سلمية تدعو لإنهاء التمييز العرقي والديني فتم قتل العشرات واعتقال الآلاف. ومن بين من اعتقلوا كان زوج أختها الذي حكم عليه بالسجن لمدة 12 عاما، وتقول: “رأيت أن الوضع يتحول إلى سيء جدا”.
وبعد ذلك بثلاث سنوات سافرت محمود إلى بريطانيا للحصول على درجة الماجستير، وانتقلت إلى لندن حيث التقت بعدد من الموسيقيين الإيغوريين وشكلت برفقتهم فرقة الإيغور، والتي أدت في مختلف أنحاء بريطانيا وأوروبا وأمريكا وكندا.
وعندما سئلت محمود إن كانت تستمتع بثقافتها بحرية خارج وطنها، قالت إنها لا تستطيع أن تكون حرة في الحقيقة ما دامت تتحدث ضد تجاوزات الحكومة الصينية. وهي الوحيدة من عائلتها المباشرة التي استطاعت مغادرة سنجان (شينجيانغ) مع زوجها وابنها. وآخر مرة تحدثت مع عائلتها المتبقية هناك كانت عام 2017، وهي تتجنب الاتصال بهم خشية تعريضهم للخطر.
وتم احتجاز مئات الشخصيات الإيغورية الثقافية من مغنين وموسيقيين وروائيين وعلماء وأكاديميين، أو اختفوا منذ عام 2017 بحسب مشروع حقوق الإنسان الإيغوري.
وقال طاهر هاموت ازغيل، وهو شاعر إيغوري ومخرج أفلام يعيش في واشنطن إن قمع الثقافة الإيغورية يعود إلى عام 2012، عندما قامت الحكومة الصينية بعملية مراجعة للمنشورات والأفلام والموسيقى باللغة الإيغورية، وقامت بوضع كثير منها على قائمة سوداء.
وقال ازغيل: “فرض على الفرق الموسيقية وفرق الرقص الأداء باللغة الصينية بشكل كامل وتناول مواضيع معارضة للانفصال وحب الوطن الأم وحب الحزب ووحدة الشعب”.
وعادة فالأعمال التي تلامس مواضيع مثل الوطن والدين والمنفى، لا يمكن تناولها اليوم في شينجيانغ. ولم يفكر ازغيل في نشر أعماله رسميا قبل عام 2017 عندما قرر المغادرة إلى أمريكا.
ويقول: “علمت أنني إن غادرت إلى أمريكا فقد لا أعود إلى الوطن أبدا.. وأردت أن أتأكد أن مجلدا من عملي على الأقل تم توزيعه على أبناء شعبي، واستطعت في المحصلة توزيع 1000 نسخة، بينما تمت مصادرة 2000 نسخة أخرى”.
ولكن إزغيل لا يزال يقوم بنشر قصائده على الانترنت. وقال إنه كأب لثلاثة أطفال يحس أن مسؤوليته أن يتعلم أولاده تحدث اللغة الإيغورية.
وهذه اللغة، كغيرها من لغات الأقليات محظورة في المدارس الصينية ولكن هذا لم يمنع الإيغور في الخارج من إنشاء مدارس اللغة الخاصة بهم بما في ذلك في فرنسا وأمريكا وتركيا.
وقالت ميسر عبد الأحد هندان، التي تعمل في تدريس اللغة الإيغورية في إسطنبول: “اللغة هي مفتاح الحفاظ على الأمة”.
وتقوم هندان بإدارة مدرسة غير رسمية للناشئة ما بين سن الخامسة والثانية عشرة من العمر، ومع أن الجائحة اضطرتها إلى اللجوء إلى التدريس عبر الانترنت، تقول إن ذلك مكنها من الوصول إلى عدد أكبر من الأطفال.
وتقول إنها حتى اليوم مع مدرسين ومدرسات إيغور في بلدان مختلفة مثل النرويج والسويد وأستراليا وفرنسا يدرسون 150 طالبا في أنحاء مختلفة من العالم. وترى هندان أنه إن تم تعليم اللغة لعدد كاف من الأطفال “فلن تعود في خطر”.
ولكن اللغة وحدها لا تضمن بقاء الثقافة، ويعلق ازغيل: “إن لم تستطع الأجيال القادمة زيارة الوطن ورؤية تربة بلادهم وإن لم يكن بإمكانهم التعرض للثقافة في ذلك المكان سيكون الأمر أصعب بالنسبة لهم.. وإن تم القضاء على ثقافة الإيغور على مدى الأجيال القادمة في الوطن سيكون من الصعب على الإيغور في الشتات الحفاظ عليها وحتى في الشتات قد تنتهي”.