الصين: إزالة “الطابع العربي” من أكبر مساجد البلاد في أحدث حملة استيعاب المسلمين
المصدر: تركستان تايمز
في مدينة شينينغ الهادئة، عاصمة مقاطعة تشينغهاي شمال غرب الصين، عادة ما تمر التفاعلات اليومية بين المجموعات العرقية في المدينة – الصينيون الهان، ومسلمو الهوي، والتبتيون، والأتراك السالار وغيرهم – دون صراع أو ضجة. ولكن بفضل الهدم المثير للجدل الذي قامت به حكومة البلدية لقاعة مدخل مسجد دونغجوان الشهير في المدينة، وهو أحد أكبر المساجد في الصين، تجد المدينة نفسها بشكل مباشر في خضم حملة وطنية لتصيين الإسلام – باللغة الرسمية “توجيه الإسلام ليكون متوافقاً مع الإشتراكية”.
أثار إزالة القباب والمآذن “ذات الطراز العربي” من البوابة الأمامية للمسجد رد فعل عنيف من السكان المحليين، بل وجذب إهتمام الدبلوماسيين الأجانب. تشير قصة تجديد دونغقوان إلى توسع حملة القمع المستمرة على الإسلام في الصين، والتي يتم إرتكابها حتى الآن إلى حد كبير ضد الأويغور وغيرهم من المسلمين الأتراك.
في 9 يوليو 2021، انتشرت صور إشعار من حكومة بلدية شينينغ تعلن تجديد البوابة الأمامية لمسجد دونغقوان على مواقع التواصل الإجتماعي مثل سينا ويبو وزيهو. تم إجراء تغييرات مماثلة في المساجد الأخرى بالمدينة – يوجد عشرة منها على الأقل في منطقة تشنغ دونغ المركزية وحدها. قام مستخدمو تويتر في شينينغ بتوثيق وتبادل الصور لهذه التغييرات أثناء إجتياحها للمدينة.
كان رد الفعل المستاء من مجتمع الهوي المسلم – الذي يشكل 16٪ من سكان شينينغ – واضحاً. في 15 يوليو، سجدت امرأة ترتدي الحجاب في الشارع أمام المسجد وهي تبكي. انتشر الإحتجاج الفردي للمرأة، الذي تم التقاطه بالفيديو، عبر الإنترنت، مما ألهم رسماً كاريكاتورياً وأصبح منتشراً بشكل كبير.
رسم كاريكاتوري يصور امرأة تصلي أمام مسجد دونغقوان في مدينة شينينغ بمقاطعة تشينغهاي الصينية. يتم تدمير القبة كجزء من حملة مناهضة للتعريب وخاصة حملة ضد السعودية في الصين. … الكراهية العميقة للعرب والمسلمين.
لكن أثبتت الإحتجاجات إنها عقيمة. في 13 سبتمبر، قامت تغريدة من كريستينا سكوت، نائبة رئيس البعثة البريطانية إلى الصين، حيث كانت تزور المدينة، بمقارنة صورة المبنى في دليل إرشادي حديث أظهر ملامح الأرابيسك، بالحالة الراهنة للمبنى، مجردة من القبة والمآذن.
يشير تحويل مسجد دونغقوان إلى إتجاه مقلق نحو الإستيعاب القسري مدفوع من الدولة للأقليات المسلمة من قبل الحزب الشيوعي الصيني الحاكم.
حملة التصيين
لقد تم هدم البوابة الأمامية في ظل حملة قمع أشد بكثير للهوية الإسلامية التي تتكشف في جميع أنحاء الصين. وقد حدثت أبرز جوانب هذه الحملة في المنطقة التي تشير إليها الصين بإسم منطقة تركستان الشرقية كجزء مما يسمى “الحرب الشعبية على الإرهاب”، وهي حملة قمعية تجرم العديد من جوانب السلوك الديني اليومي. حيث تم احتجاز المسلمين الأتراك في معسكرات إعتقال، وحُكم عليهم بالسجن لمدد طويلة، وتعرضوا لأعمال السخرة.
بالنسبة لمجتمعات الهوي، أدت هذه الحملة القمعية إلى قمع تعابير الإيمان غير المعتمدة من الدولة. شبّهت خطابات الحزب الداخلية الإسلام بـ “الفيروس”. هذه العقلية هي التي تدفع النظام إلى تقليص المعمار الإسلامي بشكل علني في الأماكن العامة.
شهد مسجد نانغوان في ينشوان عملية تحول مماثلة في عام 2020. فقد أزالت مقاطعة لينكسيا هوي Linxia Hui في غانسو Gansu مكبرات الصوت (التي تستخدم عادة لبث الأذان) واللافتات العربية من المساجد في يونيو من عام 2018. في ديسمبر من نفس العام، تم هدم ثلاثة مساجد في منطقة يونان، بعد أن أعلن أنها “مباني غير مسجلة وغير قانونية”.
بحلول أواخر عام 2019، أشارت التقارير الواردة من هينان وشاندونغ إلى التوسع الوطني للحملة. حتى المحلات التجارية والمطاعم أزالت اللافتات العربية الخاصة بهم منقوشة.
مركز الاسلام
من الصعب التقليل من الأهمية الرمزية لمسجد دونغقوان. من الناحية السياسية، لطالما مثلت دونغقوان القوة داخل المنطقة. عندما زرت المنطقة قبل عدة سنوات لأبحث في كتابي القادم، النقي والحقيقي: السياسة العرقية اليومية لمسلمي الهوي في الصين، أشار أحد الأشخاص الذين قابلتهم إلى الحي الذي يسيطر عليه بإعتباره “العاصمة الإسلامية للصين”. وهذه المنطقة هي موطن لعدد لا يحصى من الشركات والمطاعم والموارد الثقافية. يوفر المسجد دروساً باللغة العربية كما يوفر صناديق لجمع التبرعات للمشاريع الخيرية.
كمكان للعبادة، فإن مسجد دونغقوان هو مسجد يهيواني الوحيد في شينينغ الذي تقام فيه صلاة الجمعة. يحضر ما يصل إلى 70000 شخص، يتدفقون إلى الشارع. خلال شهر رمضان، قد يتجمع أكثر من 200000 شخص لصلاة الجمعة، ومع إحتفالات العيد تصل إلى 300000 شخص.
اعتبرت صلاة الجمعة في مسجد دونغقوان أمثلة بارزة على التعاون بين الحكومة المحلية والمسجد. ساعدت الحكومة المحلية في إدارة الحشود من خلال إرسال ضباط المرور لتوجيه حركة المرور الكثيفة في الشارع أثناء الصلاة.
على الرغم من أن البوابة الأمامية للمسجد، وهي إضافة حديثة تم بناؤها في أوائل التسعينيات، ليست بأي حال من الأحوال ميزة “تراثية”، إلا أنها لا تزال تمثل رمزاً ثقافياً مرئياً في قلب المجتمع. إن تجريده من الأيقونات التي تربطه بصرياً بالإسلام هو أمر مزعج. التأثير العاطفي لهذا القرار على أفراد المجتمع سيكون بلا شك كبير.
مستقبل الإسلام في مجتمعات الهوي
حتى الآن، قوبلت عملية التصيين بمقاومة قليلة. في أغسطس 2018، في ريف بلدة ويزهو، شرق تشينغهاي، أثار الهدم المقترح للمسجد الكبير في المجتمع مظاهرات من قبل المسلمين احتجاجاً. في حين أن المبنى في النهاية كان بمنأى عن الهدم الكامل، فقد تم تعديل معالمه المعمارية “على الطراز العربي”، وإزالة قبته وإعادة تشكيلها بسقف على الطراز الصيني.
في زيارتي في أوائل عام 2016، أعرب سكان ويزهو عن فخرهم بمسجدهم كعلامة على إزدهار مجتمعهم المعتدل من أعماق الفقر الريفي. تحدثت مظاهرات عام 2018 عن صدمة السكان من استهداف رمز تعاونهم الناجح مع الدولة بالهدم.
مع وصول حملة التصيين إلى أعتاب المسجد الأبرز والأهم ثقافياً في الصين، فإن مشاعر السخط هذه سوف تتضخم. وبتنفيذ إجراءات صارمة للتوحيد القياسي، فإن الحزب يهدد بتقويض الإستقرار الذي يسعى إلى الحفاظ عليه. أثار هدم البوابة الأمامية الإحباط والحشد، مما يشير إلى وجود تيارات قوية من عدم الرضا تحت السطح.
ترجمة/ رضوى عادل