أويغور الصين: بعد أن ثبت ارتكاب الإبادة بحقهم، هل يتحرك العالم؟
المصدر: تركستان تايمز
حث شي حزبه على محاكاة بعض جوانب حرب الولايات المتحدة على الإرهاب بعد سلسلة من الهجمات القاتلة التي حملت الصين المسؤولية عنها لمتطرفين من الإيغور. منذ ذلك الحين والأدلة تتواتر حول قيام الدولة بحملة ضد الإرهاب، ما فتئت الصين تنكر وجودها. تعامل المجتمع الدولي مع الأمر بحذر شديد وظل متردداً في توجيه إصبع الاتهام للصين، لعدد من الأسباب، يأتي في مقدمتها العلاقات الاقتصادية معها.
تنتج الصين خمس المحصول العالمي من القطن، والذي يستخدم على نطاق واسع في قطاع صناعة الملابس التي تستهلك حول العالم. زادت الاستثمارات الأجنبية في الصين بمعدل 31 بالمائة في عام 2020 إلى ما يقرب من 110 مليارات جنيه إسترليني (حوالي 153 مليار دولار أمريكي). وتعتبر الصين واحدة من أهم خمسة شركاء تجاريين للمملكة المتحدة، وساهمت بما يقرب من 13.6 مليار جنيه إسترليني (ما يعادل حوالي 18.9 مليار دولار أمريكي) في مجمل العجز التجاري للمملكة المتحدة خلال النصف الأول من عام 2020، أكثر من أي بلد آخر خلال نفس تلك الفترة.
ولعل هذا ما يفسر إلى حد بعيد استخدام رئيس الوزراء البريطاني لعبارة “مخاوف شديدة” عند الكلام عن الانتهاكات في شينجانغ، دون الإعلان عن الإبادة العرقية. ولكن الضغط يتزايد على حزبه حتى يقبل بالحكم الذي سيصدر عن لجنة قضائية برلمانية مقترحة سيكون بإمكانها أن تقرر ما إذا كانت الإبادة العرقية يجري ارتكابها من قبل شريك تجاري مهم، الأمر الذي قد يلقي ظلالاً من الشك على العلاقة البريطانية الصينية.
كما أن الاتحاد الأوروبي يعتمد بقوة هو الآخر على التجارة مع الصين. وكان أعضاء في البرلمان الأوروبي قد نددوا في شهر يناير/ كانون الثاني بالمفوضية الأوروبية لتوقيعها على اتفاقية استثمار مثيرة للجدل مع الصين، وقالوا إنها تقوض مصداقية الاتحاد الأوروبي حول حقوق الإنسان، إذا ما أخذنا بالاعتبار غياب الوسائل التي تفرض على الصين تقديم ضمانات باجتثاث العمالة القسرية في شينجانغ.
وكانت أقوى الإدانات حتى الآن هي تلك التي صدرت عن الإدارة السابقة للرئيس ترامب، والتي وصفت في شهر يناير/ كانون الثاني الأحداث التي تجري في الصين بالإبادة العرقية – وهو الخط الذي يبدو أن إدارة بايدن ستستمر في انتهاجه. ولكن بينما ظلت الأدلة تتزايد لسنوات على وجود حملة منتظمة ينفذها المسؤولون الصينيون، إلا أن بلداً واحداً حتى الآن لم يتمكن من إثارة موضوع حملة الإبادة العرقية في الصين من ناحية قانونية، حيث إن ذلك يعتبر من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية – إلا أن حيازة الصين مقعدا دائما في مجلس الأمن الدولي يعني أن بإمكانها أن تستخدم حق النقض (الفيتو) للحيلولة دون إحالة الأمر إلى المحكمة الجنائية الدولية.
حكم لا لبس فيه
أما الآن فقد خلص تقرير غير مسبوق شارك في إعداده أكثر من خمسين خبيراً مستقلاً متخصصين في القانون الدولي وفي الإبادة العرقية وفي سياسات الصين العرقية وفي منطقة شينجانغ إلى أن الصين ترتكب إبادة عرقية ضد الإيغور منتهكة بذلك معاهدة الأمم المتحدة حول منع جريمة الإبادة العرقية وحول معاقبة من يرتكبها، والتي وقعت الصين بالإضافة إلى 151 دولة أخرى عليها.
يخلص هذا التقرير المكون من 25 ألف كلمة إلى حكم تاريخي لا لبس فيه بوقوع الإبادة العرقية، وذلك بناء على مبادئ القانون الدولي ونصوص المعاهدة الملزمة ذات الشأن، معاهدة الإبادة العرقية، وفي ضوء الأدلة التي باتت متوفرة. يستنتج التقرير أن الصين، بكونها الدولة السلطوية التي تسيطر بشكل كامل على المنطقة وعلى الناس الذين يعيشون فيها وعلى مؤسسات الدولة العاملة داخلها، لا يمكنها عزل نفسها عن مجمل السياسات والقوانين والممارسات التي تشكل معاً إبادة عرقية، وهي بذلك تتحمل المسؤولية عن الانتهاكات التي ترتكب بحق معاهدة الإبادة العرقية.
بينما تمثل تصريحات مثل الإعلان الأمريكي عن الإبادة العرقية للإيغور تنديداً بالسياسة المطبقة، فإن الانتهاك الرسمي لمعاهدة الإبادة العرقية قد تكون له تداعيات قانونية، من أهمها أنها تمكن من إلقاء القبض على من يتحملون المسؤولية عن الإبادة العرقية داخل البلدان الموقعة على المعاهدة.
يتحدث التقرير بالتفصيل عن عزم الدولة الصينية على تدمير الإيغور وذلك بناء على بيانات صريحة وتوجيهات رسمية وتنظيمات قانونية تنبع من أعلى المستويات، ومنها تعهد شي في سبتمبر/ أيلول 2020 بالمضي قدماً في انتهاج تلك السياسات لسنوات عديدة قادمة.
يقدم التقرير أدلة تثبت أن الصين تخطط للاستمرار في هذه السياسات إلى أن ينقرض الإيغور وغيرهم من القوميات المسلمة، وتتضمن الأدلة إفادة بأن كبار المسؤولين ينفذون الأوامر الصادرة لهم والتي تنص على “القبض على الجميع” وكذلك “مسحهم بشكل كامل… وتدميرهم من الجذور إلى الفروع” وكذلك “حطموا سلالاتهم، واقتلعوا جذورهم، واقطعوا صلاتهم، ودمروا أصولهم”. ولطالما استخدم المسؤولون مراراً وتكراراً نعوتاً مهينة ولاإنسانية لوصف الاحتجاز الجماعي للإيغور، مثل عبارة “استئصال الأورام” ورش الأعشاب غير المرغوب بها “بالكيماويات لقتلهم جميعاً”.
لحظة الحقيقة
ما يرتجى في نهاية المطاف هو أن تبادر دول أخرى من الموقعين على معاهدة الإبادة العرقية إلى اتخاذ إجراء سريع وفاء بما عليها من التزامات تجاه المعاهدة، وأن تقوم المؤسسات التجارية التي تسعى للحصول على البضائع من المنطقة إلي إعادة النظر والانسحاب أو نقل منظومة وارداتها إلى أماكن أخرى.
شبه جون باكر، أستاذ القانون في جامعة أوتاوا وأحد المساهمين في إعداد التقرير، الاستنتاج بما أسماه “لحظة ميونخ”. وعندما سئل عما إذا كان العالم سيستمر في غض البصر وعدم المبالاة، أجاب: “على عكس ما حصل في 1983، يوجد الآن أعراف ومعايير واضحة، ويتوفر بأيدينا فائض من الأدلة بفضل تكنولوجيا المعلومات العالمية. وأيضاً، هناك قدر كبير من تداخل المصالح. ولكن هل تعلم العالم شيئاً؟ هذه هي لحظة الحقيقة – أمام القيادات وكذلك أمام الإبداع في إيجاد سبل للمضي قدماً… أمام الدبلوماسية الموهوبة ولكن المبدئية في نفس الوقت. لا يمكن لهذه اللحظة أن تكون لحظة إخفاق أخلاقي”.
على العكس من كثير من المماحكة السياسية حول الصعود العالمي، وخاصة بين الولايات المتحدة والصين، يعتمد التقرير على القانون الدولي. تلزم الحقائق المكتشفة حول الانتهاكات الجارية بحق معاهدة الإبادة العرقية 151 دولة أخرى على التصرف كما يقول باكر، والذي يضيف: “سوف يشكل تجاهلها أو محاولة التملص منها تحدياً للنظام الدولي القائم على القواعد والقوانين. فإذا كان ارتكاب الإبادة العرقية بهذا الشكل المكشوف ليست له عواقب، فما هو معنى أي قانون دولي آخر؟”.
وحينما سئل عن الإجراءات الحقيقية التي يمكن توقعها من صدور التقرير، قال باكر: “بينما يمكن أن تتخذ الدول بشكل فردي، بل ويتوجب عليها ذلك، خطوات مناسبة، بدءاً من الحذر وتجنب التواطؤ بأي شكل من الأشكال (مثل المساهمة في التجارة أو السعي للاستفادة منها)، فإنه ينبغي النظر في كافة ردود الفعل الدبلوماسية الممكنة (مثل الانسحاب من الألعاب الأولمبية) والإجراءات المسموح بها في مجال التجارة والاستثمار وغير ذلك من الشراكات والعلاقات. لا يجوز بحال أن تظل الأمور كما هي عليه، وينبغي الدعوة إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي، مع الاتفاق على رد فعل يتم التنسيق له على المستوى متعدد الأطراف”.
يمثل هذا التقرير أهم إجماع قانوني يظهر حتى الآن حول الإبادة العرقية في الصين. والسؤال الآن هو ما إذا كانت الأسس التي تقوم عليها منظومتنا القانونية الدولية سوف تحترم أم لا، وبأي ثمن.